وأما قول القائل: "لا للرغبة والرهبة".
فهذا له ثلاثة معان:
أحدها: أن يراد به: لا لرغبة في حصول مطلوب المحب من المحبوب لذاته، ولا لرهبة من ذلك. وهذا ممتنع، فإنه ما من عبد مريد محب إلا وهو يطلب حصول شيء، ويخاف فواته.
والثاني: أنه لا يرغب في التمتع بمخلوق، ولا يخاف من التضرر بمخلوق، فيمكن أن يعبد الله من يعبده بدون هذه الرغبة والرهبة.
كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه: نعم العبد
nindex.php?page=showalam&ids=52صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه.
وفي الأثر: "
لو لم أخلق جنة ولا نارا، أما كنت أهلا أن أعبد" وقد ثبت في الصحيح "
nindex.php?page=hadith&LINKID=662074أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس". [ ص: 69 ] وكذلك الملائكة فلولا تمتع أهل الجنة بذلك التسبيح، الذي هو لهم كالنفس، لم يكن الأمر كذلك.
وقد ثبت في الحديث الصحيح المتقدم قوله: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=699018فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه".
والثالث: أن يراد: أن العبد لا يرهب مما يضره كألم العذاب، ولا يرغب فيما يحتاج إليه كالطعام والشراب، فهذا ممتنع، فإن ما جعل الله العبد محتاجا إليه متألما إذا لم يحصل له، لا بد أن يرغب في حصوله، ويرهب من فواته، وما كان ملتذا به غير متألم بفواته، كأكل أهل الجنة وشربهم، فهذا يرغب فيه ولا يرهب من فواته، فوجود تلك اللذة العليا الحاصلة بمعرفة الله ورؤيته لا ينافي وجود لذات أخر حاصلة بإدراك بعض المخلوقات، ومن نفى الأولى من
الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم فقد أخطأ، ومن نفى الثانية من المتفلسفة والمتصوفة على طريقهم فقد أخطأ، ومع أن هؤلاء المتفلسفة لا يثبتون حقيقة الأولى، فإنهم
لا يثبتون أن الرب تحبه الملائكة والمؤمنون، وإنما يجعلون الغاية تشبههم به، لا حبهم إياه، وفرق بين أن تكون الغاية كون هذا مثل هذا، [ ص: 70 ] وبين أن تكون الغاية كون هذا يحب هذا محبة عبودية وذل.
ولهذا قالوا: "الفلسفة هي التشبه بالإله على قدر الطاقة"، ولهذا كان مطلوب هؤلاء إنما هو نوع من العلم والقدرة الذي يحصل لهم به شرف، فمطلوبهم من جنس مطلوب فرعون، بخلاف الحنفاء الذين يعبدون الله محبة له وذلا له.