ولهذا
من أثبت أن في الوجود موجودا واجبا قديما، وقال: إنه يمتنع الإشارة إليه، امتنع أن يكون عنده معينا مختصا، ولزم أن يكون مطلقا مجردا في الذهن، فلا حقيقة له في الخارج.
[ ص: 96 ] وهذا مذهب أئمة الجهمية، فإنهم يثبتون موجودا مطلقا يمتنع وجوده في الخارج، فابن سينا وأتباعه يقولون: هو وجود مطلق بشرط نفي جميع الأمور الثبوتية، وهو أبلغ الأقوال في كونه معدوما، وآخرون يقولون: هو مطلق بشرط نفي الأمور الثبوتية والسلبية، لا بشرط شيء من الأمور الثبوتية والسلبية كما يقول هذا وهذا طائفة من ملحدة الباطنية ومن وافقهم من الصوفية.
ومن المعلوم أن الوجود المشروط فيه نفي هذا وهذا ممتنع، فكيف بالمشروط فيه النفي؟ فإن ما اشترط فيه العدم كان أولى بالعدم مما لم يشترط فيه وجود ولا عدم، ومما اشترط فيه نفي الوجود والعدم جميعا، وهذا هو المطلق بشرط الإطلاق.
وهم يقررون في منطقهم ما هو متفق عليه بين العقلاء من أن المطلق بشرط الإطلاق لا وجود له في الخارج، ويقررون أن الفصول المميزة بين موجودين لا بد أن تكون أمورا وجودية، لا تكون عدمية، وهم لا يميزون الوجود الواجب عن الوجود الممكن إلا بأمور عدمية، ومن ظن أن مذهب ابن سينا إثبات وجود خاص بمنزلة الوجود المشروط
[ ص: 97 ] بسلب جميع الحقائق، فجعل فيه وجودا مشتركا ووجودا مختصا، فلم يفهم مذهبه، كما فعل ذلك
الطوسي منتصرا له فلم يفهم مذهبه.
والقونوي وأمثاله يقولون: هو المطلق لا بشرط، وهذا إما أن يكون ممتنعا في الخارج، وإما أن يكون جزءا من الممكنات، فيكون الواجب جزءا من الممكنات.
وقد بسط بيان تناقض أقوالهم في غير هذا الموضع، واعتبر ما ذكرناه من أن كل ما يثبتونه بالبرهان القياسي فإنه قضايا كلية مطلقة، بأنهم إذا أرادوا أن يعينوا شيئا موجودا في الخارج داخلا في تلك القضية الكلية، عينوه إما بالحس الباطن أو الظاهر، إذ العقل يدرك الكليات والحس هو الذي يدرك الجزئيات، فإذا أثبتوا أن الحركة الإرادية مسبوقة بالتصور، وأرادوا تعيين ذلك، عينوا: إما نفس الإنسان فيشيرون إليها، وإما النفس الفلكية فيشيرون إلى الفلك.
وإن أثبتوا وجود موجود معين في الخارج يدخل تحت هذه القضية من غير إشارة إليه تعذر ذلك عليهم.