فإذا قال: أنا لا أصفه لا بهذا ولا بهذا، بل أنفي عنه هذين الوصفين المتقابلين، لأن اتصافه بأحدهما إنما يكون لو كان قابلا لأحدهما، وهو لا يقبل واحدا منهما، لأنه لو قبل ذلك لكان جسما، إذ هذه من صفات الأجسام، فإذا قدرنا موجودا ليس بجسم، لم يقبل لا هذا ولا هذا -قيل له: فهكذا سائر الملاحدة، إذا قالوا: لا نصفه لا بالحياة ولا بالموت، ولا العلم ولا الجهل ولا القدرة ولا العجز،
[ ص: 128 ] ولا الكلام ولا الخرس، ولا البصر ولا العمى، ولا السمع ولا الصمم، لأن اتصافه بأحدهما فرع لقبوله لأحدهما، وهو لا يقبل واحدا منهما، لأن القابل للاتصاف بذلك لا يكون إلا جسما، فإن هذه من صفات الأجسام، فإذا قدرنا موجودا ليس بجسم لم يقبل هذا ولا هذا، فما كان جوابا لهؤلاء الملاحدة فهو جواب لك، فما تخاطب به أنت النفاة الذين ينفون ما تثبته أنت، يخاطبك به المثبتون لما تنفيه أنت حذو القذة بالقذة.