قلت: وهذا الذي اختلف فيه قول القاضي، اختلف فيه أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيرهم، فكان طائفة يقولون: العلو من الصفات السمعية الخبرية، كالوجه واليد ونحو ذلك، وهذا قول طوائف من الصفاتية ولهذا نفاه من متأخري الصفاتية من نفى الصفات السمعية الخبرية كأتباع صاحب "الإرشاد".
[ ص: 209 ] وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري وأئمة أصحابه، فإنهم متفقون على إثبات الصفات السمعية، مع تنازعهم في العلو: هل هو من الصفات العقلية أو السمعية؟
وأما أئمة الصفاتية
nindex.php?page=showalam&ids=13464كابن كلاب وسائر السلف، فعندهم أن
العلو من الصفات المعلومة بالعقل، وهذا قول الجمهور من أصحاب أحمد وغيرهم، وإليه رجع
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى آخرا، وهو قول جمهور أهل الحديث والفقه والتصوف، وهو قول
الكرامية وغيرهم.
وأما
الاستواء فهو من الصفات السمعية عند من يجعله من الصفات الفعلية بلا نزاع، فإن ذلك لم يعلم إلا بالسمع. وهذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13464ابن كلاب وغيره من أن المنازع من المسلمين في أن الله فوق العرش كانوا قليلين جدا، يبين خطأ من قال: إن النزاع إنما هو مع
الكرامية والحنبلية، بل جماهير الخلق من جميع الطوائف على الإثبات: جمهور أئمة الفقهاء من: الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والداوودية، وجمهور أهل التصوف والزهد والعبادة، وجمهور أهل التفسير، وجمهور أهل الحديث، وجمهور أهل الكلام من
الكرامية والكلابية والأشعرية والهشامية، وجمهور
المرجئة، وجمهور قدماء
الشيعة.
وإنما الخلاف في ذلك معروف عن
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم وأتباعه،
والمعتزلة، ومن
[ ص: 210 ] وافقهم من
الخوارج، ومتأخري
الشيعة، ومتأخري
الأشعرية. وللمعتزلة والفلاسفة فيها قولان.
بل وهذا هو المنقول عن أكثر الفلاسفة أيضا، كما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13171أبو الوليد بن رشد الحفيد، وهو من أتبع الناس لمقالات المشائين:
أرسطو وأتباعه، ومن أكثر الناس عناية بها، وموافقة لها، وبيانا لما خالف فيه
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا وأمثاله لها، حتى صنف كتاب "تهافت التهافت" وانتصر فيه لإخوانه الفلاسفة، ورد فيه على
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبي حامد في كتابه الذي صنفه في "تهافت الفلاسفة"، مع أن في كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبي حامد من الموافقة للفلاسفة في مواضع كثيرة ما هو معروف، وإن كان يقال: إنه رجع عن ذلك واستقر أمره على التلقي من طريقة أهل الحديث، بعد أن أيس من نيل مطلوبه من طريقة المتكلمين والمتفلسفة والمتصوفة أيضا.
فالمقصود أن
nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد ينتصر للفلاسفة المشائين
-أرسطو وأتباعه- بحسب الإمكان، وقد تكلمنا على كلامه وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبي حامد في غير هذا الموضع، وبينا صواب ما رده
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد من ضلال المتفلسفة، وبينا ما تقوى به المواضع التي استضعفوها من رده بطرق أخرى، لأن الرد على أهل الباطل لا يكون مستوعبا إلا إذا اتبعت السنة من كل الوجوه، وإلا فمن وافق السنة من وجه وخالفها من وجه، طمع فيه خصومه من الوجه الذي خالف فيه السنة، واحتجوا عليه بما وافقهم عليه من تلك المقدمات المخالفة للسنة.