قال أحمد فيما كتبه: (ثم إن
الجهمي ادعى أمرا آخر، فقال: [ ص: 258 ] أنا أجد آية في كتاب الله تدل على القرآن أنه مخلوق.
فقلنا: أي آية؟ قال: قول الله عز وجل:
إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم [سورة النساء: 171]،
وعيسى مخلوق. فقلنا: إن الله منعك الفهم في القرآن: إن
عيسى تجري عليه ألفاظ لا تجري على القرآن، لأنه يسمى مولودا رضيعا وطفلا وغلاما، يأكل ويشرب، وهو مخاطب بالأمر والنهي، يجري عليه الوعد والوعيد، ثم هو من ذرية
نوح، ومن ذرية
إبراهيم، فلا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في
عيسى، فهل سمعتم الله يقول في القرآن ما قال في
عيسى؟ ولكن المعنى من قول الله جل ثناؤه:
إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم [ ص: 259 ] فالكلمة التي ألقاها إلى
مريم حين قال له (كن) فكان
عيسى صلى الله عليه وسلم بكن،
فعيسى ليس هو الكن، ولكن بالكن كان، فالكن من الله قول، وليس الكن مخلوقا.
وكذبت النصارى
والجهمية على الله في أمر
عيسى، وذلك أن
الجهمية قالوا:
عيسى روح الله وكلمته. إلا أن كلمته مخلوقة، وقالت النصارى:
عيسى روح الله من ذات الله، وكلمة الله من ذات الله، كما يقال: إن هذه الخرقة من هذا الثوب، قلنا نحن: إن
عيسى بالكلمة كان وليس
عيسى هو الكلمة، وأما قول الله تعالى:
وروح منه [سورة النساء: 171] ، يقول: من أمره كان الروح فيه، كقوله:
وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه [سورة الجاثية: 13] ، يقول: من أمره، وتفسير
[ ص: 260 ] روح الله إنما معناها أنها روح يملكها الله خلقها الله، كما يقال: عبد الله، وسماء الله، وأرض الله) .