وأيضا فإذا كان بعض الكلام خيرا للعباد وأنفع، لزم أن يكون في نفسه أفضل من هذه الجهة، فإن تفاضل ثوابه ونفعه إنما هو لتفاضله في نفسه، وإلا فالشيئان المتساويان من كل وجه، لا يكون ثواب أحدهما أكثر، ولا نفعه أعظم.
والمقصود هنا شيئان: أحدهما: أن الذين يعظمون
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري وأمثاله من أهل الكلام
كالبيهقي، nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر، وغيرهما - وقد عرفوا
ذم nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره من الأئمة للكلام، ذكروا أن
الكلام المذموم هو كلام أهل البدع، وقالوا: إنما كان يعرف في عصرهم بالكلام أهل البدع،
[ ص: 274 ] وأنه أراد بذلك كلام مثل
حفص الفرد وأمثاله، وأنه لما حدثت طائفة سمت ما في كتاب الله من الحجة عليهم متشابها، وقالوا بترك القول بالأخبار التي رواها أهل الحديث، وزعموا أن الأخبار التي حملت عليهم لا تصح في عقولهم، قام جماعة من أئمتنا، وبينوا أن جميع ما ورد في الأخبار صحيح في المعقول، وما ادعوه في الكتاب من التشابه باطل في العقول، وكانوا في القديم إنما يعرفون بالكلام أهل الأهواء، فأما أهل السنة والجماعة فمعولهم فيما يعتقدون الكتاب والسنة، فكانوا لا يسمون تسميتهم، وإنما يعني بقوله (من ارتدى بالكلام لم يفلح) كلام أهل الأهواء الذين تركوا الكتاب والسنة، وجعلوا معولهم عقولهم، وأخذوا في تسوية الكتاب والسنة عليها، فأما أهل السنة فمذهبهم في الأصول مبني على الكتاب والسنة، وإنما أخذ من أخذ منهم في العقل، إبطالا لمذهب من زعم أنه غير مستقيم في العقل.
قلت: وهذا اتفاق من علماء
الأشعرية، مع غيرهم من الطوائف المعظمين للسلف، على أن الكلام المذموم عند السلف: كلام من يترك الكتاب والسنة، ويعول في الأصول على عقله، فكيف بمن يعارض
[ ص: 275 ] الكتاب والسنة بعقله؟! وهذا هو الذي قصدنا إبطاله، وهو حال أتباع صاحب "الإرشاد" الذين وافقوا
المعتزلة في ذلك.
وأما
الرازي وأمثاله، فقد زادوا في ذلك على
المعتزلة، فإن
المعتزلة لا تقول: إن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين، بل يقولون: إنها تفيد اليقين، ويستدلون بها أعظم مما يستدل بها هؤلاء.
الثاني: أن كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790 [الإمام] الشافعي [رضي الله عنه] ونحوه من الأئمة تضمن ذم كلام
حفص الفرد وأمثاله في مسألة القرآن. والكلام في ذلك مبني على نفي قيام الأفعال به، فإن
المعتزلة يقولون: الكلام لا بد له من فعل يتعلق بمشيئة المتكلم وقدرته، فلو قام به الكلام لقامت به الأفعال، وهي حادثة، فكان يكون محلا للحوادث، وبطل الدليل الذي استدللنا به على حدوث العالم.
وقد بينا أن ذم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لكلام
حفص وأمثاله لم يكن لأجل إنكار القدر، فإن
حفصا لا ينكره، وإنما كان لإنكار الصفات والأفعال، المبني على دليل الأعراض.
وهكذا كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد - وغيره من الأئمة - في ذم الكلام، كان متناولا لكلام
الجهمية.
وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأمثاله في ذلك كثير ظاهر معلوم، فإن مناظرته
للجهمية، ورده عليهم، أشهر وأكثر من أن
[ ص: 276 ] يذكر هنا، وكان من المناظرين له
أبو عيسى محمد بن عيسى برغوث، وهو على قول
حسين النجار -
والنجار من
المثبتة للقدر - وكذلك كانوا يذمون
nindex.php?page=showalam&ids=15211المريسي وغيره من المثبتين للقدر، فتبين أن كلامهم في ذم أهل الكلام لم يكن لأجل إنكار القدر، بل كان ذمهم
للجهمية أعظم من ذمهم
للقدرية.