وأما كلام
الفلاسفة في هذا الباب، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13171القاضي أبو الوليد بن رشد الحفيد في كتابه المعروف بالأصول في العقائد: (قد رأيت أن أفصح في هذا الكتاب عن الظاهر من العقائد التي قصد الشرع حمل الجمهور عليها، ونتحرى في ذلك كله مقصد الشارع صلى الله عليه وسلم بحسب الجهد والاستطاعة، فإن الناس قد اضطربوا في هذا المعنى كل الاضطراب في هذه الشريعة حتى
حدثت فرق ضالة وأصناف مختلفة، كل واحد منهم يرى أنه على الشريعة الأولى، وأن من خالفه: إما مبتدع، وإما كافر مستباح الدم والمال، وهذا كله عدول عن مقصد الشارع صلى الله عليه وسلم، وسببه ما عرض لهم من الضلال عن مقصد فهم الشريعة.
وأشهر هذه الطوائف في زماننا هذا أربعة: الطائفة التي تسمى
بالأشعرية، والتي تسمى
بالمعتزلة، والطائفة التي تسمى
بالباطنية، والطائفة التي تسمى
بالحشوية.
وكل هذه الطوائف قد اعتقدت في
[ ص: 346 ] الله اعتقادات مختلفة، وصرفت كثيرا من ألفاظ الشرع عن ظاهرها إلى تأويلات نزلوها في تلك الاعتقادات، وزعم كل منهم أن اعتقاده هو الشريعة الأولى التي قصد بالحمل عليها جميع الناس، وأن من زاغ عنها فهو: إما كافر، وإما مبتدع.
وإذا تؤملت جميعها وتؤمل مقصد الشرع، ظهر أن جلها أقاويل محدثة، وتأويلات مبتدعة.
وأنا أذكر من ذلك ما يجري مجرى العقائد الواجبة في الشرع، الذي لا يتم الإيمان إلا به، وأتحرى في ذلك مقصد الشارع صلى الله عليه وسلم، دون ما جعل أصلا في الشرع، وعقيدة من عقائده، من قبل التأويل الذي ليس بصحيح، وأبدأ من ذلك بتعريف ما قصد الشارع أن يعتقده الجمهور في الله تبارك وتعالى، والطرق التي سلك بهم في ذلك، وذلك في الكتاب العزيز.
ونبتدي من ذلك بمعرفة الطريق التي تفضي إلى وجود الصانع، إذ كانت أول معرفة يجب أن يعلمها المكلف، وقبل ذلك فينبغي أن
[ ص: 347 ] نذكر آراء تلك الفرق المشهورة، فنقول: أما
الفرقة التي تدعى بالحشوية، فإنهم قالوا: إن طريق معرفة وجود الله سبحانه هو السمع لا العقل، أعني أن الإيمان بوجوده الذي كلف الناس التصديق به، يكفي فيه أن يتلقى من صاحب الشرع ويؤمن به إيمانا، كما يتلقى منه أحوال المعاد وغير ذلك مما لا مدخل للعقل فيه) .
قال: (وهذه الفرقة الظاهر منها أنها مقصرة عن مقصود الشرع في الطريق التي نصبها للجميع، مفضية إلى معرفة وجود الله تبارك وتعالى) .