والناس متنازعون في المعرفة: هل حصلت بالشرع، أو بالعقل؟ وهل وجبت بهذا أو بهذا؟
والنزاع في هاتين المسألتين موجود بين عامة الطوائف، من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره.
فإن الناس لهم في العقل: هل يعلم به حسن الأشياء وقبحها؟ والوجوب والتحريم، قولان مشهوران: أحدهما: أنه لا يعلم به ذلك، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري وأصحابه،
وابن حامد، nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي أبي يعلى، nindex.php?page=showalam&ids=14954والقاضي يعقوب، nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل، nindex.php?page=showalam&ids=12737وابن الزاغوني، وغيرهم من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وكثير من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهما.
والثاني: أنه يعلم به ذلك. وهذا قول
المعتزلة والكرامية وغيرهم. وهو قول
أبي الحسن التميمي، nindex.php?page=showalam&ids=11851وأبي الخطاب، وغيرهما من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد. وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب أنه قول جمهور العلماء، وهو قول كثير من أئمة الحديث من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيرهم، كـ
أبي القاسم سعد بن علي الزنجاني، nindex.php?page=showalam&ids=12176وأبي نصر السجزي. وقول كثير من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، وهو الذي ذكره أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، وذكروه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة نفسه.
وقد بسط الكلام على هذه المسألة، وما فيها من التفصيل، في غير هذا الموضع. وكذلك
المعرفة: هل تحصل بالعقل أو بالشرع؟. فيها
[ ص: 458 ] نزاع بين العلماء من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيرهم من العلماء.
وحقيقة المسألة: أن المعرفة منها ما يحصل بالعقل، ومنها ما لا يعرف إلا بالشرع. فالإقرار الفطري: كالإقرار الذي أخبر الله به عن الكفار، قد يحصل بالعقل، كقوله تعالى:
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله [سورة لقمان: 25].
وأما ما في القلوب من الإيمان المشار إليه في قوله تعالى:
ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا [سورة الشورى: 52] فلا يحصل إلا بالوحي، كما في قوله:
قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي [سورة سبإ: 50].
ومما يتعلق بهذه المسألة الكلام فيما يلهمه الله تعالى المؤمنين من الإيمان، كقوله تعالى:
وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي [سورة المائدة: 111].
وقوله:
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام [سورة الأنعام: 125]، وقوله:
أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه [سورة الزمر: 22].
وقوله:
الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح إلى قوله:
ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور [سورة النور: 35 - 40].
[ ص: 459 ]
وقوله:
حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم [سورة الحجرات: 7].
وقوله:
أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه [سورة المجادلة: 22] وقوله:
والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [سورة يونس: 25].
وأمثال ذلك مما يبين أن ما يحصل في القلوب من الهدى والنور والإيمان هو من الله تعالى بفضله ورحمته.
وهذا يتعلق بمسألة القدر. ولما كانت
المعتزلة قدرية تنكر أن يكون الله تعالى خالقا لأفعال العباد، ويقولون: إن ما يحصل للعبد من الإيمان، لم يحصل من الله تعالى، بل قد أعطى الكافر من أسباب الإيمان مثل ما أعطى المؤمن، وليس له نعمة على المؤمن، أعظم من نعمته على الكافر، ولكن نفس القدرة التي بها آمن هذا بها كفر هذا، وكل منهما رجح أحد مقدوريه بلا سبب يوجب الترجيح، لأن القادر المختار يرجح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح. وأما من قال منهم بقول
أبي الحسين: إن الفعل لا يحصل مع القدرة إلا بالداعي، وإن الله يخلق الداعي، وأنه يجب وجود المقدور عند وجودهما، فهذا موافق لأهل السنة في المعنى، وإن أظهر نزاعهم.
[ ص: 460 ] والمعتزلة كانوا هم أئمة الكلام في وجوب النظر والاستدلال بطريقة الأعراض والأجسام وما يتبع ذلك، وصاروا يقولون: إن الإيمان لا يمكن أن يحصل للعبد بدون اكتسابه له، لا يمكن عندهم أن يحصل بعلم ضروري يجعله الله في قلب العبد، ولا بإلهام وهداية منه، يختص بها من يشاء من عباده.
ولهذا خالفهم
المثبتون للقدر، كـ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري وغيره، وقالوا: يمكن أن يعلم بالاضطرار ما يعلم بالنظر، فإن هذا عندهم ليس أمرا لازما، لكنه بحسب العادة.
والمعتزلة يقولون: إن الإيمان إذا كان موهبة من الله تعالى لعبد، وتفضلا منه عليه، لم يستحق العبد الثواب.
وأهل السنة يقولون: هو محسن إلى العبد متفضل عليه، بأن أرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن جعل له السمع والبصر والفؤاد الذي يعقل به، وأن هداه للإيمان، وأن أماته عليه، فكل هذا إحسان منه إلى المؤمن وتفضل عليه، وإن كان هو قد كتب على نفسه الرحمة، وكان حقا عليه نصر المؤمن، وحق العباد عليه إذا وحدوه ألا يعذبهم، فذاك حق أوجبه بنفسه، بكلماته التامات وبما تستحقه نفسه المقدسة من حقائق الأسماء والصفات، لا أن شيئا من المخلوقات أوجب عليه شيئا، أو حرم عليه شيئا
[ ص: 461 ] والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر.
فلما صار من أخذ ما أخذه من الكلام المحدث عنهم، كـ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري ومن سلك سبيله من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، يسلكون مسلكهم في مسألة إيجاب النظر، وأن الإيمان لا يحصل إلا به، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14525أبو جعفر السمناني، أحد أئمة
الأشعرية: (هذه المسألة بقية بقيت في المذهب من الاعتزال لمن اعتقدها، وذلك لكون
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري كان معتزلا تلميذا
nindex.php?page=showalam&ids=13980لأبي علي الجبائي، ثم رجع عن ذلك إلى مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13464ابن كلاب وأمثاله من الصفاتية المثبتين للقدر، والقائلين بأن أهل الكبائر لا يخلدون، ونحو ذلك من الأصول التي فارق بها
المعتزلة للجماعة.