وإذا قدر أن
أول الواجبات هو النظر، أو المعرفة، أو الشهادتان، أو ما قيل، فهذا لا يجب على البالغ أن يفعله عقب البلوغ، إلا إذا لم يكن قد فعله قبل البلوغ، فأما من فعل ذلك قبل البلوغ فإنه لا يجب عليه فعله مرة ثانية، لا سيما إذا كان النظر مستلزما للشك، المنافي لما حصل له من المعرفة والإيمان، فيكون التقدير: اكفر ثم آمن، واجهل ثم اعرف، وهذا كما أنه محرم في الشرع، فهو ممتنع في العقل، فإن تكليف العالم الجهل من باب تكليف ما لا يقدر عليه، فإن الجاهل يمكن أن يصير عالما، فإذا أمر بتحصيل العلم كان ممكنا، أما العالم فلا يقدر أن يصير جاهلا، كما أن من رأى الشيء وسمعه لا يمكن أن يقال لا يعرفه، فمن كان الله قد أنعم عليه وشرح صدره للإسلام قبل بلوغه، فحصل له الإيمان المتضمن للمعرفة، لم يمكن أن يؤمر بما يناقض المعرفة، من نظر ينافي المعرفة، أو شك أو نحو ذلك، بل الأمر لمن حصل له علم ومعرفة أن يقدم ذلك ثم يحصله، مثل تكليف من حصل له قصد الصلاة ونيتها، بأن يقدم ذلك ثم تحصل النية.
[ ص: 11 ]
وهذا مع أنه من باب الجهل والسفه والضلال، فهو من باب تكليف العباد ما يعجزون عنه، ولهذا يقال: الوسوسة لا تكون إلا من خبل في العقل أو جهل بالشرع.