وقد سلك طائفة من أهل الكلام، من
المعتزلة ومن وافقهم، ترتيبا معينا في
العلم الواجب على كل مكلف، وزعموا أنه لا يمكن حصول المعرفة لأحد إلا على ذلك الترتيب الخاص، كما ذكرناه من كلام
أبي الحسين البصري وأمثاله، حيث قالوا: (ليس يثق أحد بصحة ما جاءت به الرسل إلا بعد المعرفة بصدقهم، ولا تحصل المعرفة بصدقهم إلا بالمعجزات التي تميزهم عن غيرهم، وليس تدل المعجزات على صدقهم إلا إذا صدرت ممن لا يفعل القبيح، لكي يؤمن أن يصدق الكذابين، وليس يعلم أنه لا يفعل القبيح إلا إذا عرف أنه عالم بقبحه،
[ ص: 18 ] عالم باستغنائه عنه، ولا يعرف غناه إلا بعد أن يعلم بأنه غير جسم، ولا يعرف أنه غير جسم إلا إذا عرف أنه قديم، ولا يعلم أنه قديم، ولا يعلم أنه عالم بكل قبيح إلا إذا علم أنه عالم بكل شيء، ولا يعلم ذلك إلا إذا علم أنه عالم لذاته، ولا يعلم أنه يثيب ويعاقب إلا إذا علم أنه قادر حي، ولا نعرف موصوفا بهذه الصفات إلا إذا عرفت ذاته، وإنما تعرف ذاته إذا استدل عليها بأفعاله لأنها غير مشاهدة، ولا معروفة باضطرار، ولا طريق إليها إلا أفعاله) .
قال: (فيجب أن يتكلم في هذه الأشياء ليعلم صحة ما جاءت به الرسل).
ثم إنه تكلم في حدوث الأجسام، وبنى الأمر في ذلك على أن ما لم يسبق الحوادث فهو محدث، وبنى ذلك على أنه إذا كان كل من الحوادث له أول، استحال أن لا يكون لها أول، لأنها ليست سوى آحادها، كما يستحيل أن يكون كل واحد من الزنج أسود، ولا يكونوا كلهم سودا.