فقد جعل الدين كله مبنيا على هذا الترتيب، المبني على هذه المقدمة، التي ينازعه فيها جمهور العقلاء من أهل الملل وغيرهم. وهذه هي أصول الدين عندهم، وهذا مما يخالفهم فيه جماهير المسلمين، بل جمهور عقلاء العالمين، بل يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن
[ ص: 19 ] الرسول لم يوجب هذه الطريق ولا دعا إليها، ولا كان إيمان السابقين الأولين موقوفا عليها.
وعامة ما ذكره من الترتيب ممنوع. فقوله: لا تحصل المعرفة بصدقهم إلا بالمعجزات ينازعه فيه طوائف كثيرون، بل أكثر الناس.
وقوله: (لا تدل المعجزات على صدقهم إلا إذا صدرت ممن لا يفعل القبيح) ينازعه فيه أيضا طوائف كثيرون. وقوله: (لا يعلم غناه إلا إذا علم أنه ليس بجسم) ينازعه فيه أيضا طوائف كثيرون. وكذلك ما ذكره من قوله: (ولا يعلم ذلك إلا إذا علم أنه عالم لذاته) ومراده نفي الصفات، والقول: بأن القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة، ونحو ذلك مما ينازعه فيه طوائف كثيرون.
وقوله: (إنما يعرف ذاته إذا استدل عليها بأفعاله لأنها غير مشاهدة ولا معروفة باضطرار) ينازعه فيه طوائف آخرون.
فهذا ترتيب
المعتزلة للعلم بالله ورسله. ولغيرهم من طوائف المتكلمين ترتيب آخر، وفيه من الممانعات والمعارضات من جنس ما في ترتيب هؤلاء.