قلت: قول القائل: (إن الصحابة - رضي الله عنهم - ماتوا وما عرفوا ذلك) فيه تفصيل. وذلك أن هذا الكلام فيه حق وباطل، فأما الباطل فهو مثل إثبات الجوهر الفرد، وطفرة النظام، وامتناع بقاء العرض زمانين، ونحو ذلك. فهذا قد لا يخطر ببال الأنبياء والأولياء، من الصحابة وغيرهم، وإن خطر ببال أحدهم، تبين له أنه كذب، فإن القول الباطل الكذب هو من باب ما لا ينقض الوضوء، ليس له ضابط، وإنما
المطلوب معرفة الحق والعمل به، وإذا وقع الباطل عرف أنه باطل ودفع، وصار هذا كالنهي عن المنكر، وجهاد العدو، فليس كل شيء من المنكر رآه كل من الصحابة وأنكروه، ومع هذا فلا يقطع على كل من الصحابة بأنهم لم يعرفوا أمثال هذه الأقاويل ويعرفوا بطلانها، فإنهم فتحوا
أرض الشام ومصر والمغرب والعراق وخراسان، وكان بهذه البلاد من الكفار المشركين الصابئين وأهل الكتاب من كان عنده من كتب أهل الضلال من الفلاسفة وغيرهم ما فيه هذه المعاني الباطلة، فربما خوطبوا بهذه المعاني بعبارة من العبارات، وبينوا بطلانها لمن سألهم.
والواحد منا قد يجتمع بأنواع من أهل الضلال، ويسألونه عن
[ ص: 52 ] أنواع من المسائل، ويوردون عليه أنواعا من الأسولة والشبهات الباطلة فيجيبهم عنها، وأكثر الناس لا يعلمون ذلك ولا ينقلونه.
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وغيرهما من الأئمة قد ناظروا أنواعا من
الجهمية أهل الكلام وجرى بينهم من المعاني ما لم ينقل، ولكن من عرف طريق المناظرين لهم، والمسائل التي ناظروهم فيها، علم ما كانوا يقولونه، كالفقيه الذي يعرف أن فقيهين تناظرا في مسألة من مسائل الفقه، مثل مسألة قتل المسلم بالذمي، أو القتل بالمثقل ونحو ذلك، فينقل المناظرة من لم يفهم ما قالاه، فيعرف الفقيه الفاضل - مما نقل - ما لم ينقل.