فغاية ما يقال: إنه باعتبار نفسه ليس هو بأحدهما أولى منه بالآخر، فهما بالنسبة إليه متماثلان من هذا الوجه، فيكون ترجيح أحدهما مفتقرا إلى مرجح، ولكن عند التحقيق يظهر أنهما بالنسبة إليه ليسا متماثلين، وأنه ليس هنا حقيقتان ترجح إحداهما على الأخرى، بل ليس له نفسه وجود أصلا، فهو باعتبار ذاته لا يستحق إلا العدم، لا يقال: إنه لا يستحق لا الوجود ولا العدم، بل إذا جردنا النظر إلى محض ذات الممكن، الذي يقبل الوجود والعدم، علمنا أن ذاته لا تكون موجودة بذاته.
لسنا نقول: إن ذاته تستلزم العدم، بحيث يكون عدمها واجبا ووجودها ممتنعا، فإن هذا حقيقة الممتنع لذاته، لا حقيقة الممكن لذاته. ولكن نقول: إن ذاته هي باعتبار النظر إليها فقط معدومة عدما ليس واجبا، بل عدما يمكن أن يتبدل بالوجود.
[ ص: 120 ]
ومما يوضح ذلك
أن كل محدث فهو ممكن، فإنه كان معدوما ثم صار موجودا، فهو قابل للوجود والعدم. ثم إنه من المعلوم لكل أحد أن المحدث لا يقال: إن عدمه يفتقر إلى سبب مرجح، كما يفتقر وجوده إلى سبب مرجح، بل المحدث ليس له من نفسه وجود أصلا، ولا يستحق باعتبار ذاته إلا العدم، أي لا يثبت له بذاته إلا العدم، لا أنه يجب له بذاته العدم، فالعدم ليس واجبا بذاته، بل هو ثابت بذاته.
وقولي: ثابت بذاته، ليس هو إخبارا عن شيء ثابت في الخارج وذات، فإن المعدوم ليس له في الخارج ذات ثابتة، بل حقيقة الأمر أنه ليس له في الخارج شيء موجود من ذاته، ولكن هو ممكن الوجود من غيره، فهو مفتقر إلى غيره في كونه موجودا لا في كونه معدوما.