[ ص: 141 ] الوجه الرابع
أنه ادعى أن هذا الفاعل أشرف من الفاعل الذي فعل البناء ونحوه.
فيقال: إن ادعيت أن ما يفعل حركة في غيره أشرف مما يفعل التأليف القائم به، فهذا غير مسلم، لاسيما إذا كان فعل ذلك بجهة كونه محبوبا أو مؤتما به، وهذا مبدع لنفس التأليف القائم بغيره. ومعلوم أن حاجة المؤلف إلى التأليف القائم به أعظم من حاجة المتحرك إلى الحركة القائمة به، وأن تغير ذات المؤلف إذا انتفض تأليفه، أبين من انتقاض ذلك المتحرك إذا زالت حركته، فإذا جعلتم فاعل الحركة فاعلا، ففاعل التأليف أولى أن يكون فاعلا، وهذا أمر مشهود، ليس من جمع الأجزاء المتفرقة وجعلها شيئا واحدا، كمن حرك الشيء الساكن، لاسيما إذا كان تحريكه كتحريك الخبز للجائع، والماء للعطشان، والمرأة للرجل، والرجل للمرأة، فكيف إذا كان كتحريك الإمام للمؤتم به؟
وإن قال: إن ذلك الفاعل للحركة يفعلها دائما، وفاعل التأليف لا يفعله إلا حال إحداثه، وهذا هو الوجه الذي قصده.
فيقال له: ليس في الشاهد أمر يفعل الحركة التي لا قوام للمتحرك إلا بها دائما. فقولك: إن مذهب
الفلاسفة مفهوم في الشاهد أكثر من
[ ص: 142 ] المذهبين، وذلك أن الفاعل قد يصدر منه مفعول يتعلق به فعله في حال كونه، وقد يصدر عنه فعل يتعلق بمفعول، لا وجود لذلك المفعول إلا بتعلق الفعل به، وهذا الفاعل يخصه أن فعله مساوق لوجود ذلك المفعول، وهذه حال المحرك مع الحركة، والأشياء التي وجودها إنما هو في الحركة.
فيقال لك: ليس فيما نشاهده شيء من هذا الصنف الثاني، وإنما الفاعل المشاهد هو من النمط الأول.
وإن قلت: إن النفس تحرك البدن بهذا الاعتبار.
فيقال لك: كون النفس وحدها هي المحركة للبدن، دون أن يكون هناك سبب للحركة، أمر لو كان حقا لم يكن من المشاهدات.
وأيضا فالنفس لا يقول عاقل: إنها هي الفاعلة للبدن.
وأيضا فكل من النفس والبدن شرط في حركة الآخر.