وأما الشرع فليس فيه ذكر هذه الأسماء في حق الله، لا بنفي ولا إثبات، ولم ينطق أحد من سلف الأمة وأئمتها في حق الله تعالى بذلك، لا نفيا ولا إثباتا، بل قول القائل: إن الله جسم أو ليس بجسم، أو جوهر أو ليس بجوهر، أو متحيز أو ليس بمتحيز، أو في جهة أو ليس في جهة، أو تقوم به الأعراض والحوادث أو لا تقوم به، ونحو ذلك ـ كل هذه الأقوال محدثة بين أهل الكلام المحدث، لم يتكلم السلف والأئمة فيها، لا بإطلاق النفي ولا بإطلاق الإثبات، بل كانوا
ينكرون على أهل الكلام الذين يتكلمون بمثل هذا النوع في حق الله تعالى نفيا وإثباتا.
وإن أردت أن نفي ذلك معلوم بالعقل، وهو الذي تدعيه النفاة، ويدعون أن نفيهم المعلوم بالعقل عارض نصوص الكتاب والسنة.
[ ص: 240 ]
قيل له: فالأمور العقلية المحضة لا عبرة فيها بالألفاظ، فالمعنى إذا كان معلوما إثباته بالعقل لم يجز نفيه لتعبير المعبر عنه بأي عبارة عبر بها، وكذلك إذا كان معلوما انتفاؤه بالعقل لم يجز إثباته بأي عبارة عبر بها المعبر، وبين له بالعقل ثبوت المعنى الذي نفاه وسماه بألفاظه الاصطلاحية.
وقد يقع في محاورته إطلاق هذه الألفاظ لأجل اصطلاح ذلك النافي ولغته، وإن كان المطلق لها لا يستجيز إطلاقها في غير هذا المقام، كما إذا قال الرافضي: أنتم ناصبة تنصبون العداوة لآل
محمد، فقيل له: نحن نتولى الصحابة والقرابة، فقال: لا ولاء إلا ببراء، فمن لم يتبرأ من الصحابة لم يتول القرابة، فيكون قد نصب لهم العداوة.
فيقال له: هب أن هذا يسمى نصبا.
فلم قلت: إن هذا محرم؟ فلا دلالة لك على ذم النصب بهذا التفسير، كما لا دلالة على ذم الرفض بمعنى موالاة أهل البيت، إذا كان الرجل مواليا لأهل البيت كما يحب الله ورسوله، ومنه قول القائل:
إن كان رفضا حب آل محمد 206 فليشهد الثقلان أني رافضي 206
وقول القائل أيضا:
إذا كان نصبا ولاء الصحاب فإني كما زعموا ناصبي
وإن كان رفضا ولاء الجميع فلا برح الرفض من جانبي