وركب
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا من الأمرين ما دار به على
المعتزلة، ونحوهم من المتكلمين، ولم يقتصر على مجرد ما قالوه، بل وسع القول فيه، حتى وصله بكلام سلفه
الدهرية.
فالأول: وهو أن تخصيص الحدوث بوقت لا بد له من مخصص، ضم إليه: أن كل ممكن، وإن كان قديما، لا يترجح إلا بمرجح، وبنى على ذلك إثبات واجب الوجود.
وهي الطريقة التي أحدثها في الفلسفة، وهي مركبة من كلام الفلاسفة
المعتزلة. والمعتزلة لا تقتصر في أن التخصيص لا بد له من مخصص على تخصيص الحدوث، بل تقول ذلك فيما هو أعم من ذلك، ولا تفرق بين الاختصاص الواجب والاختصاص الممكن.
nindex.php?page=showalam&ids=13251وابن سينا وافقهم على ذلك، فتناقضت عليه أصوله، وأما الأصل الفاسد الذي أخذه عنهم، فهو نفي الصفات،
ولما كانت المعتزلة تنفي الصفات وتسمي إثباتهما تجسيما، والتجسيم تركيبا، ويقولون: إن المركب لا بد له من مركب، فلا يكون مركبا، فلا يكون [ ص: 241 ] جسما لأن الجسم مركب، فلا يقوم به صفة، لأن الصفة لا تقوم إلا بجسم، ولا يكون فوق العالم، لأنه لا يكون فوق العالم إلا جسم.
ولا يرى في الآخرة، لأن الرؤية إنما تقع على جسم، أو عرض في جسم.
وكلامه مخلوق؛ لأنه لو قام به الكلام لكان جسما.
أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا وأمثاله هذه الأصول، وألزمهم ما هو أبلغ من ذلك، فزاد في نفي الصفات عليهم، حتى كان أظهر تعطيلا منهم، بل أبلغ تعطيلا من الجهم رأس نفاة الصفات. وخالف
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا وأمثاله
المعتزلة في أمور: بعضها أصابوا في مخالفتهم، وبعضها أخطئوا في مخالفتهم، لكن الذي أصابوا فيه، منه ما صاروا يحتجون به على باطلهم، لضعف طريق
المعتزلة الذي به يردون باطلهم.
وهذا الذي ذكرته يجده من اعتبره في كتب
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا "كالإشارات" وغيرها، ويتبين للفاضل أنه إنما بنى إلحاده في قدم العالم على نفي الصفات، فإنهم لما نفوا الصفات والأفعال القائمة بذاته، وسموا ذلك توحيدا، ووافقهم
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا على تقرير هذا النفي الذي سموه توحيدا، بين امتناع القول بحدوث العالم مع هذا الأصل، وأظهر تناقضهم.
[ ص: 242 ]
ولكن قوله في قدم العالم أفسد من قولهم، ويمكن أظهار تناقض قوله، أكثر من إظهار تناقض أقوالهم. فلهذا تجده في مسألة قدم العالم يردد القول فيها، ويحكي كلام الطائفتين وحجتهم كأنه أجنبي، ويحيل الترجيح بينهما إلى نظر الناظر، مع ظهور ترجيحه لقول القائلين بالقدم.