وأما
مسألة نفي الصفات فيجزم بها، ويجعلها من المقطوع به الذي لا تردد فيه، فإنهم يوافقون عليها، وهو بها تمكن من الاحتجاج عليهم في قدم العالم، وبها تمكن من إنكار المعاد، وتحريف الكلم عن مواضعه، وقال: نقول في النصوص الواردة في المعاد كما قلتم في النصوص الواردة في الصفات، وقال: كما أن الكتب الإلهية ليس فيها بيان ما هو الحق في نفس الأمر في التوحيد، يعني التوحيد الذي وافقته عليه
المعتزلة، وهو نفي الصفات بناء على نفي التجسيم والتركيب، فكذلك ليس فيها بيان ما هو الحق في نفس الأمر في أمر المعاد. وبنى ذلك على أن الإفصاح بحقيقة الأمر لا يمكن خطاب الجمهور به، وإنما
[ ص: 243 ] يخاطبون بنوع من التخييل والتمثيل الذي ينتفعون به فيه، كما تقدم كلامه.
وهذا كلام
الملاحدة الباطنية الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته، وكان منتهى أمرهم تعطيل الخالق، وتكذيب رسله، وإبطال دينه. ودخل في ذلك
باطنية الصوفية، أهل الحلول والاتحاد وسموه تحقيقا ومعرفة وتوحيدا. ومنتهى أمرهم هو إلحاد
باطنية الشيعة، وهو أنه ليس إلا الفلك وما حواه وما وراء ذلك شيء.
وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابن عربي، صاحب "فصوص الحكم" وأمثاله من الاتحادية القائلين بوحدة الوجود، يدور على ذلك لمن فهمه، ولكن يسمون هذا العالم الله، فمذهبهم في الحقيقة مذهب المعطلة،
كفرعون وأمثاله، ولكن هؤلاء يطلقون عليه هذا الاسم، بخلاف أولئك. وأيضا فقد يكون جهال هؤلاء وعوامهم يعتقدون أنهم يثبتون خالقا مباينا للمخلوق، مع قولهم بالوحدة والاتحاد، كما رأينا منهم طوائف، مع ما دخلوا فيه من العلم والدين، لا يعرفون حقيقة مذهب هؤلاء، لما في ظاهره من الإقرار بالصانع ورسله ودينه.
وإنما يعرف ذلك من كان ذكيا خبيرا بحقيقة مذهبهم، ومن كان كذلك فهو أحد رجلين: إما مؤمن عليم: علم أن هذا يناقض الحق، وينافي دين الإسلام، فذمهم وعاداهم. وإما زنديق منافق: علم حقيقة
[ ص: 244 ] أمرهم، وأظهر ما يظهرون، وكان من أئمتهم. فهذا وأمثاله من جنس
آل فرعون، الذين جعلوا أئمة يدعون إلى النار.
والأول من أتباع الرسل والأنبياء،
كآل إبراهيم، الذين جعلهم الله أئمة يهدون بأمره.