وأما كون غير المتناهي كلا موجودا ككون كل واحد وقتا ما موجودا فهو توهم خطأ، فليس إذا صح على كل واحد حكمه صح على كل محصل، وإلا لكان يصح أن يقال: الكل من غير المتناهي يمكن أن يدخل في الوجود، لأن كل واحد يمكن أن يدخل في الوجود، فيحمل الإمكان على الكل، كما حمل على كل واحد.
قالوا: ولم يزل غير المتناهي من الأحوال التي يذكرونها معدوما إلا شيء بعد شيء، وغير المتناهي المعدوم قد يكون فيه أكثر وأقل، ولا يثلم ذلك كونها غير متناهية في العدم.
وأما توقف الواحد منها على أن يوجد قبله ما لا نهاية له، أو احتياج شيء منها إلى أن ينقطع إليه ما لا نهاية له، فهو قول كاذب. فإن معنى قولنا: كذا توقف على كذا هو أن الشيئين وصفا معا بالعدم.
[ ص: 257 ]
والثاني لم يكن يصح وجوده إلا بعد وجود المعلول الأول، وكذلك الاحتياج. ثم لم يكن ألبتة ولا في وقت من الأوقات، يصح أن يقال: إن الأخير كان متوقفا على وجود ما لا نهاية له ، أو محتاجا إلى أن يقطع إليه ما لا نهاية له، بل أي وقت فرضت وجدت بينه وبين كون الأخير أشياء متناهية، ففي جميع الأوقات هذه صفته، لا سيما والجميع عندكم وكل واحد واحد، فإن عنيتم بهذا التوقف أن هذا لم يوجد إلا بعد وجود أشياء كل واحد منها في وقت آخر لا يمكن أن يحصى عددها، وذلك محال، فهذا نفس المتنازع فيه: أنه ممكن أو غير ممكن، فكيف يكون مقدمة في إبطال نفسه؟ أبأن يغير لفظها بتغيير لا يتغير به المعنى؟ قالوا: فيجب من اعتبار ما نبهنا عليه أن يكون الصانع الواجب الوجود غير مختلف النسب إلى الأوقات والأشياء الكائنة عنه كونا أوليا وما يلزم من ذلك الاعتبار لزوما ذاتيا، إلا ما يلزم من الاختلافات يلزم عندها فيتبعها التغير) .
[ ص: 258 ]
قال: (فهذه هي المذاهب وإليك الاعتبار بعقلك دون هواك).