وبيان ذلك أنه قد قال: يجب أن يكون الصانع الواجب الوجود غير مختلف النسب إلى الأوقات والأشياء الكائنة عنه كونا أزليا، وما يلزم من ذلك لزوما ذاتيا وإلا ما يلزم من اختلافات يلزم عندها فيتبعها التغيير يعني حركة الفلك وما يتبعها من التغيير.
[ ص: 261 ]
فيقال له: إذا لم يكن مختلف النسب إلى الأوقات والأشياء الكائنة عنه كونا أزليا، واللازمة من ذلك لزوما ذاتيا، كما يقوله في لزوم الفلك عنه، وما يقدره علة للفلك من العقول أو غيرها، فاللازم لهذه اللوازم: إما أن يكون لازما لها لا ينفك عنها في وقت من الأوقات، أو لازما لها في حال دون حال.
فإن كان لازما لها في كل الأوقات، وجب أن لا يحدث شيء، وأن لا يكون تغير أصلا.
وإن كان لازما لها في وقت دون وقت، فقد اختلفت نسبة لوازمه إلى الأوقات والأمور الحادثة في الأوقات، حيث حدث عن لوازمه في هذا الوقت ما لم يحدث في هذا الوقت، وإذا اختلفت نسبة اللوازم إلى الأوقات والحوادث، لزم أن تختلف نسبته إلى الأوقات والحوادث، لأن الأمور الكائنة عنه كونا أزليا، وما يلزمها لزوما ذاتيا، نسبتها إلى جميع الأوقات والحوادث كنسبته، لأنه لو كانت نسبتها إلى الأوقات والحوادث تخالف نسبته، لكانت حالها في بعض الأوقات والحوادث مخالفا لحاله، ولكانت مختصة في بعض الأوقات بمعنى منتف في أوقات أخر. وذلك تخصيص لبعض الأوقات دون وقت آخر بحدوث حادث فيه،
[ ص: 262 ] فإن جاز تخصيص وقت دون وقت بحدوث من غير سبب حادث، بطل أصل الكلام.
وإن لم يجز ذلك، لزم أن يكون اختصاص لوازمه بحدوث حادث فيها أو منها بوقت دون وقت، إنما كان لاختصاصه هو بحدوث حادث فيه أو منه لوقت دون وقت، وإلا لم تكن تلك اللوازم لوازم له.
فلا بد من أحد أمرين:
إما أن تكون الأمور اللازمة له ليست لازمة، فتكون الحوادث حدثت عنه ابتداء بدون وسائط، وهذا أشد إبطالا لقولهم.
وإما أن تكون تلك الأمور اللازمة له لا تختص في وقت دون وقت بحدوث حادث فيها أو منها، إلا لتخصيصه لها بذلك، إذ لو اختصت بدون تخصيصه، للزم الحدوث بلا محدث، وهو ممتنع.