وذلك أنه
قال: (فإذا ثبت أن العالم محدث، فالدلالة على أن له محدثا، هي أنه لا يخلو إما أن يكون حدث، وكان يجوز أن لا يحدث، أو كان يجب أن يحدث. فلو حدث مع وجوب أن يحدث، لم يكن أن يحدث في تلك الحال أولى من أن يحدث من قبل، فلا يستقر حدوثه على حال، إذ كان حدوثه واجبا في نفسه، وإن حدث مع جواز أن لا يحدث، لم يكن بالحدوث أولى من أن لا يحدث، لولا شيء اقتضى حدوثه. وسندل على أنه عالم قادر، فصح قولنا) .
قال: (واستدل شيوخنا، رحمهم الله، على أن الأجسام تحتاج إلى محدث، بأن تصرفنا يحتاج إلى محدث، لأجل أنه محدث، فكان حدوث
[ ص: 296 ] كل محدث يحوجه إلى محدث، فإذا كانت الأجسام محدثة، احتاجت إلى محدث) .
قال: (والدلالة على حاجة تصرفنا إلى محدث، هو أنه لو حدث بنفسه من غير محدث لحدث، وإن كرهناه، وكنا ممنوعين منه، فلما وقع بحسب قصدنا، وانتفى بحسب كراهتنا، علمنا أنه يحتاج إلينا.
والدليل على أنه يحتاج إلينا لأجل حدوثه، أنه إما أن يحتاج إلينا لأجل حدوثه، أو لبقائه، أو لعدمه، فلو احتاج إلينا لأجل بقائه، لوجب أن لا يبقى البناء إذا مات الباني، ولا يجوز أن يحتاج إلينا لعدمه، لأن تصرفنا كان معدوما قبل وجودنا، وقبل كوننا قادرين، فصح أنه احتاج إلينا ليحدث، ولأن حدوثه هو المتجدد بحسب قصدنا وإرادتنا، وهو الذي لا يتجدد إذا كرهناه، فعلمنا أنه إنما يحتاج إلينا لأجل حدوثه) .