فإن
قال: المقتضي الموجب لا يخص بحال دون حال، بخلاف المقتضي مع عدم وجوب الاقتضاء.
كان الجواب من وجوه:
أحدها: المنع، فإن هذه دعوى مجردة.
الثاني: أن يقال: لا نسلم أنه يمكن أن يكون شيء مقتضيا للحدوث إلا مع الوجوب، وإنه مادام اقتضاؤه جائزا فإنه يمتنع الاقتضاء، وذلك
[ ص: 301 ] لأنه إذا جاز أن يقتضي، وجاز أن لا يقتضي، كان كل من الأمرين ممكنا جائزا، لم يكن ثبوت الاقتضاء أولى من انتفائه، لولا أمر آخر اقتضى ذلك الاقتضاء، ثم القول في اقتضاء ذلك الاقتضاء كالأول، ويلزم منه توقف حدوث الحوادث على اقتضاءات متسلسلة لا نهاية لها، ولا وجود لشيء منه، وما توقف على ما لا وجود له فلا وجود له، وهو يبطل التسلسل فيما هو دون هذا.
وهذا المقام مقام معروف
للمعتزلة في فعل الرب، وفعل العبد يذكرونه في مسألة حدوث العالم، ومسألة القدر، وهو مما استطالت عليهم به أهل السنة والفلاسفة وغيرهم.
لا سيما
وأبو الحسين يقول: إنه مع فعل القادر يتوقف على الداعي، وإنه عند وجود الداعي التام يجب وجود المقدور، فيكون أصل قوله موافق لقول من قال من أهل السنة ومن الفلاسفة: إن الحادث يحدث مع وجوب أن يحدث، وهذا يناقض قوله بأنه لا يحدث إلا مع جواز الحدوث لا مع وجوبه.
الثالث أن يقال: هب أنا سلمنا إمكان ثبوت المقتضي، وأنه يقتضي مع جواز أن لا يقتضي، وأنه يخص الحدوث بحال دون حال، فإذا أمكن الحدوث والتخصيص بما هو مقتض مع جواز أن لا يقتضي، فالحدوث والتخصيص بمقتض واجب الاقتضاء أولى وأحرى.