[ ص: 31 ] وما يحتج به بعضهم على أن هذا ممكن بأنا لا نعلم امتناعه، كما نعلم امتناع الأمور الظاهر امتناعها، مثل كون الجسم متحركا ساكنا، فهذا كاحتجاج بعضهم على أنها ليست بديهية بأن غيرها من البديهيات أجلى منها، وهذه حجة ضعيفة، لأن البديهي هو ما إذا تصور طرفاه جزم العقل به، والمتصوران قد يكونان خفيين، فالقضايا تتفاوت في الجلاء والخفاء لتفاوت تصورها كما تتفاوت لتفاوت الأذهان، وذلك لا يقدح في كونها ضرورية، ولا يوجب أن ما لم يظهر امتناعه يكون ممكنا، بل قول هؤلاء أضعف؛ لأن الشيء قد يكون ممتنعا لأمور خفية لازمة له، فما لم يعلم انتفاء تلك اللوازم، أو عدم لزومها، لا يمكن الجزم بإمكانه، والمحال هنا أعلم من المحال لذاته أو لغيره، والإمكان الذهني حقيقته عدم العلم بالامتناع، وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بالإمكان الخارجي، بل يبقى الشيء في الذهن غير معلوم الامتناع ولا معلوم الإمكان الخارجي، وهذا هو الإمكان الذهني؛ فإن الله سبحانه وتعالي لم يكتف في بيان
إمكان المعاد بهذا، إذ يمكن أن يكون الشيء ممتنعا ولو لغيره، وإن لم يعلم الذهن امتناعه، بخلاف الإمكان الخارجي فإنه إذا علم بطل أن يكون ممتنعا.
والإنسان يعلم الإمكان الخارجي: تارة بعلمه بوجود الشيء، وتارة
[ ص: 32 ] بعلمه بوجود نظيره، وتارة بعلمه بوجود ما الشيء أولى بالوجود منه، فإن وجود الشيء دليل على أن ما هو دونه أولى بالإمكان منه، ثم إنه إذا تبين كون الشيء ممكنا فلا بد من بيان قدرة الرب عليه ، وإلا فمجرد العلم بإمكانه لا يكفي في إمكان وقوعه، إن لم يعلم قدرة الرب على ذلك