قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر: (اعلم أن هذا الذي ذكره هو المعول عليه في الاستدلال على حدوث سائر الأجسام، وذلك أن الذي عناه بقوله: لو كانت قديمة لم يلحقها الاعتمال والتأثير والانقلاب والتغير، وخروجها من صفة كانت عليها إلى صفة لم تكن عليها، كنحو خروجها عن السكون إلى الحركة، وعن الحركة إلى السكون، وكاستصلابها بعد لينها، وافتراقها بعد اجتماعها، وما يلحقها من تعاقب الأكوان، وغير ذلك من التغيرات، لأن القديم الحاصل على صفة من الصفات لا يجوز خروجه عنها على ما ذكره أصلا، وذلك أن القديم إذا لم يزل مجتمعا مثلا أو مفترقا، أو متحركا أو ساكنا، أو على بعض هذه الصفات، لم يجز خروجه عنه، لأنه يخلو أن يكون على ما هو عليه في أزله: لنفسه، أو لعلة، أو لا لنفسه ولا
[ ص: 316 ] لعلة، أن لبطلان نفسه، أو لبطلان معنى، فيستحيل أن يكون على ما هو عليه لا لنفسه ولا لمعنى، لأن هذا يوجب خروج الإثبات عن تعلقه بمثبت، والخبر عن تعلقه بمخبر، وغير ذلك من وجوه الفساد، ويستحيل أن يكون ما هو عليه لبطلان نفسه - وعدمها، لأن المعدوم ليس بشيء يحصل على صفة من الصفات، ولأنه ليس عدم نفسه - إن جاز عدمها - بأن يكون تحصيله ساكنا أولى من تحصيله له متحركا، ويستحيل أن يكون ذلك لبطلان معنى كان موجودا به. لأن القديم لا يجوز عدمه، ولأنه ليس بأن يكون متحركا لعدم سكونه أولى من غيره، ممن يصح أن يكون متحركا.
وهذا يوجب أن يكون الجسم إنما تحرك لعدم سكونه إلى محاذاة بعينها، ولو كان ذلك كذلك لم يكن تحركه لعدم ذلك السكون إلى تلك المحاذاة بعينها، أولى من تحركه إلى غيرها من الجهات، وإلى ما هو أبعد منها.
وفي تحركه إلى جهة مخصوصة، ومحاذاة معينة - دليل على أن ذلك إنما وجب له لمعنى سوى عدم سكونه، ولأنه ليس بأن يتحرك هو لأجل عدم السكون، أولى من غيره من الأجسام، لأن عدم السكون ليس هو بأكثر من خلوه منه، وأنه ليس فيه وغيره من الأجسام حال من ذلك السكون أيضا، فكيف صار خلوه منه يوجب له التحرك أولى من كل من خلا من الأجسام؟ وفي فساد ذلك: دليل على أنه لا يجوز أن يكون المتحرك تحرك لعدم معنى.