والمقصود هنا
أن ما عرف وصفه تعرف عينه بوجه من وجوه الإحساس، إما بذاته وإما ببعض خصائصه. والله تعالى يختص بما فوق العالم، فالعباد يشيرون إلى ذلك، ويعلمون أن خالق العالم هو الذي فوق العالم، لا يشركه في ذلك أحد. وهذا العلم قد يحصل بالفطرة، وقد يحصل بالاستدلال والقياس، وقد يحصل بالسمع من الرسل، كما أخبرت بأن الله فوق العالم.
ولهذا قال
فرعون: يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا [سورة غافر: 36 - 37].
ولهذا كان معراج نبينا صلى الله عليه وسلم إلى السماء. وكذلك سائر ما تعرفه القلوب من خصائصه.
وقد يقال: هو تعيين يمكن حصوله بدون السمع. وذلك أن معرفة عينه بالمشاهدة لا تحصل في الدنيا، فلم يبق إلا معرفة عينه بغير هذه الطريق، كما يعرف عين الرسول صلى الله عليه وسلم من لم يشاهده، بمعرفة ما يعرفه من خصائصه.
[ ص: 16 ]
وأما القائل: إن عينه لا تعرف إلا بالسمع، فقد يقول: إن ما حصل للقلوب من معرفة عينه إنما حصل بالسمع.
والناس متنازعون في كونه فوق العالم: هل هو من الصفات التي تعلم بالعقل؟ كما هو قول أكثر السلف والأئمة، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13464ابن كلاب nindex.php?page=showalam&ids=17017وابن كرام، وآخر قولي
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبي يعلى. أو هو من الصفات السمعية التي لا تعلم إلا بالسمع، كما هو قول كثير من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري، وهو أول قولي
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبي يعلى وطائفة معه.
فابن أبي موسى وأمثاله قد يقولون بهذا، ويقولون: لم نعلم ذلك إلا بالسمع. ويقولون: لم نعلم أنه فوق السماء إلا بالسمع، لكن كلامه أعم من ذلك.
وكلامهم يصح إذا فسر بأنواع من التعيين التي لم تعلم إلا بالسمع، كالصفات الخبرية. أو فسر بأن السمع هو الذي أرشد العقول إلى ما به يعلم التعيين، وأنه لولا إرشاد السمع لم يعلم ذلك، أو بأنه أراد بالتعيين معرفة الأسماء والصفات القولية، التي يوصف الله بها. أو أراد بذلك أن كثيرا من الناس -أو أكثرهم- لا تحصل لهم معرفة شيء من التعيين إلا بالسمع.