فكذلك من نازع في إثبات صانع يقلب العادات ويغير العالم عن نظامه، فأظهر المدعي للرسالة المعجز الدال على ذلك - علم بالضرورة ثبوت الصانع الذي يخرق العادات، ويغير العالم عن نظامه المعتاد.
وبالجملة
فانقلاب العصا حية أمر يدل على ثبوت صانع قدير عليم حكيم، أعظم من دلالة ما اعتيد من خلق الإنسان من نطفة، فإذا كان ذاك يدل بنفسه على إثبات الصانع، فهذا أولى. وليس هذا موضع بسط هذا.
وإنما المقصود التنبيه على أن المعجزات قد يعلم بها ثبوت الصانع وصدق رسوله معا. وما ذكرناه من كون الإقرار بالصانع فطريا ضروريا هو قول أكثر الناس، حتى عامة فرق أهل الكلام. قال بذلك طوائف منهم من
المعتزلة والشيعة وغيرهم.
[ ص: 45 ]
وكون المعرفة يمكن حصولها بالضرورة، لم ينازع فيه إلا شذوذ من أهل الكلام، ولكن نازع كثير منهم في الواقع. وزعم أن الواقع أنها لا تحصل لأكثر الناس إلا بالنظر. وجمهور الناس نازعوه في هذا، وقالوا: بل هي حاصلة لأكثر الناس فطرة وضرورة.