فصل
وما ذكرناه من أن
الرسل، صلوات الله عليهم، بينوا للناس الطرق العقلية، ونبهوهم عليها، وهدوهم إليها، كما أنه معلوم لنا، فهو مما ذكره طوائف من أئمة الكلام والفلسفة. وأعظم المتكلمين المعظمين للطرق العقلية هم
المعتزلة، فإنهم يقولون: كما أن المعرفة لا تحصل ابتداء إلا بالعقل، فإنهم يقولون بأنها واجبة بالعقل، بناء على القول بأن العقل يعرف به الإيجاب والتحريم، والتحسين والتقبيح.
وهذا الأصل تنازع فيه المتأخرون من عامة الطوائف. فلكل طائفة من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد فيه قولان. وأما
الحنفية فالمعروف عنهم القول بتحسين العقول وتقبيحه، ونقلوا ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة نفسه، وأنه كان يوجب بالعقل معرفة الله تعالى.
ولأصحاب الحديث والصوفية وغيرهم في هذا الأصل نزاع. ومن
[ ص: 50 ] القائلين بتحسين العقل وتقبيحه من
أهل الحديث nindex.php?page=showalam&ids=12176أبو نصر السجزي وأبو القاسم سعد بن علي الزنجاني وغيرهما، وذكروا أن إنكار ذلك من بدع
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري التي لم يسبق إليها. وممن قال ذلك من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أبو الحسن التميمي وأبو الخطاب وغيرهما. بل ذكروا أن هذا قول جمهور الناس، وذكروا مع ذلك أن الرسل أرشدت إلى الطرق العقلية كما أمرت بالواجبات العقلية. فهم مع قولهم بتحسين العقل وتقبيحه يقولون: إن الرسل بينت ذلك ووكدته، وهكذا، مع قولهم بأن المعرفة تحصل بالأدلة العقلية، يقولون: إن الرسل بينت ذلك ووكدته، فما يعلم بالعقل من الدين هو عندهم جزء من الشرع، والكتاب -والسنة- يأتي على المعقولات الدينية عندهم.