قلت: هذه طريقة معروفة للقائلين بالتحسين والتقبيح العقليين. ويقولون إنهم يعلمون بتلك أن
الله منزه عن أن يفعل القبيح، كالكذب وتصديق الكاذب المدعي للنبوة بالمعجزة الدالة على صدقه، وإن كان ذلك ممكنا مقدورا له، لكن لا يفعله لقبحه وخروجه عن الحكمة. وهم يقولون: إنه بهذه الطريقة يعلم صدق الأنبياء.
والذين ينازعونهم
nindex.php?page=showalam&ids=13711 -كالأشعري وأصحابه،
وابن حامد، nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي أبي يعلى، nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل، nindex.php?page=showalam&ids=12737وابن الزاغوني وغيرهم- يسلكون في المعرفة بتصديق الأنبياء غير هذه الطريق.
إما طريقة القدرة -كما سلكها
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري في أحد قوليه،
والقاضيان أبو بكر وأبو يعلى وغيرهما- وهو أنه لا طريق إلى تصديق النبي غير المعجزة، فلو لم تكن دالة على التصديق للزم عجز الباري عن تصديق الرسل.
[ ص: 53 ]
وإما طريقة الضرورة -كما سلكها
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري في قوله الآخر،
وأبو المعالي وطوائف أخر- وإما غير ذلك من الطرق التي بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع.
وليس المقصود هنا بسط الكلام في هذه المسائل. بل المقصود أن
جميع الطوائف -حتى أئمة الكلام والفلسفة- معترفون باشتمال ما جاءت به الرسل على الأدلة الدالة على معرفة الله وتصديق رسله، كما سيأتي ذكره في كلام القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين، والفلاسفة وغيرهم.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب: (دليل آخر: أنه غير ممتنع أن يخطر للعاقل أنه لم يخلق نفسه ولا خلقه من هو مثله من أبيه وأمه؛ إذ لو كانا قادرين على ذلك، لكان هو أيضا قادرا، وكانا يقدران على خلق غيره. وهو يعلم أنهما لا يقدران، فيعلم أن له خالقا من غير جنسه خلقه وخلق أبويه، ثم يرى إنعامه عليه بإكماله وتسخير ما سخر له من المأكول والمشروب والأنعام وغير ذلك، كإقداره عليهم، ويخطر له أنه إن لم يعترف له بذلك ويشكره أنه يعاقبه، وإذا جوز ذلك وجب عليه في عقله دفع الضرر والعقاب بالتزام الشكر.