وأيضا فإن الطرق التي سلك هؤلاء القوم في حدوث العالم قد جمعت هذين الوصفين معا، أعني أن الجمهور ليس في طباعهم قبولها، ولا هي مع هذا برهانية، فليست تصلح لا للعلماء ولا للجمهور.
ونحن ننبه ها هنا على ذلك بعض التنبيه، فنقول إن الطرق التي سلكوا في ذلك طريقان:
أحدهما: وهو الأشهر الذي اعتمد عليها عامتهم - ينبني على
ثلاث مقدمات هي بمنزلة الأصول لما يرومونه من إثبات حدوث العالم.
إحداها: أن الجواهر لا تنفك عن الأعراض، أي لا تخلو منها.
والثانية: أن الأعراض حادثة.
[ ص: 76 ] والثالثة: أن ما لا ينفك عن الحوادث فهو حادث، أعني ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.
فأما المقدمة الأولى، وهي القائلة: إن الجوهر لا يعرى من الأعراض، فإن عنوا الأجسام المشار إليها القائمة بذاتها فهي مقدمة صحيحة، وإن عنوا بالجوهر الجزء الذي لا يتجزأ وهو الذي يريدونه بالجوهر الفرد، ففيها شك ليس باليسير، وذلك أن وجود جوهر غير منقسم ليس معروفا بنفسه، وفي وجوده أقاويل متضادة شديدة التعاند، وليس في قوة صناعة الكلام تلخيص الحق منها، وإنما ذلك لصناعة البرهان، وأهل هذه الصناعة قليل جدا، والدلائل التي يستعملها الأشعرية في إثباته خطابية في الأكثر.
وذلك أن استدلالهم المشهور في ذلك هو أنهم يقولون: إن من المعلومات الأولى أن الفيل مثلا إنما يقولون فيه: إنه أعظم من النملة من قبل زيادة أجزائه على أجزاء النملة وإذا كان ذلك كذلك
[ ص: 77 ] فهو مؤلف من تلك الأجزاء، وليس هو واحدا بسيطا، فإذا فسد الجسم فإليها ينحل، وإذا تركب فمنها يتركب.
وهذا الغلط إنما دخل عليهم من شبه الكمية المنفصلة بالمتصلة، فظنوا أن ما يلزم في المنفصلة يلزم في المتصلة، وذلك إنما يصدق هذا في العدد، أعني أن نقول: إن عددا أكثر من عدد من قبل كثرة الأجزاء الموجودة فيه، أعني الوحدات.