الوجه الرابع
أن يقال: قولكم: إما أن يكون المرجح نفسه، أو على ما أخذ من صفاته وهو دائم، فيجب دوام الترجيح، ودوام وجود المعلول. وإن لم يفعل، ثم فعل، فلا بد من حدوث ما ينبغي.
لأهل الملل هنا جوابان:
[ ص: 224 ] أحدهما: قول من يقول: إنه لم يزل يقوم به الفعل والكلام بقدرته ومشيئته، وعلى هذا فيمكن دوام الترجيح، ولا يجب قدم شيء من المفعولات، فضلا عن قدم الأفلاك.
والجواب الثاني: قول من يقول: يمتنع وجود المفعول في الأزل.
وعلى هذا، فإذا قلت لهؤلاء: إذا قلتم: لم يفعل ثم فعل، فلا بد من حدوث ما ينبغي فعله، أو عدم ما لا ينبغي، ويعود الكلام إليه ولا يقف.
قالوا: فعل واجب الوجود لما فعله من المفعولات المختلفة الحادثة: إما أن يجوز صدوره عنه من غير فعل قائم به، وإما ألا يجوز. فإن لم يجز ذلك بطل قولك. وإن جاز ذلك فحاله حين حدوث الطوفان كحاله حين إرسال
محمد صلى الله عليه وسلم. وقد وجد منه في أحد الزمانين من المفعولات ما لا يوجد في الزمان الآخر، مع تماثل حاله بالنسبة إلى الزمانين.
وإذا قيل: إن ذلك لأجل الحوادث المختلفة، كالحركات الفلكية، والاتصالات الكوكبية.
قيل: الكلام في الحوادث التي أوجبت حدوث الطوفان، كالقول في الحوادث حين المبعث وغيره من الحوادث المختلفة.
فإذا كان الفاعل حاله مماثل في جميع الأزمنة، واللوازم عنه كذلك، كان اختصاص أحد الزمانين بما يخالف الزمان الآخر ترجيحا بلا مرجح. فإن كان ذلك جائزا، جاز أن تحدث عنه الحوادث بعد أن لم تكن.
[ ص: 225 ]
وإذا نسبت الحوادث إلى الحركة الفلكية. قيل: إن كانت الحركة الدائمة متماثلة لزم تماثل الحوادث، وإن كان مختلفة كان قد اختص أحد الزمانين بما لم يوجد في الزمان الآخر. بل قد يقال: الفاعل إن قيل: إنه يلزمه مفعولات مختلفة دائمة متعاقبة من غير فعل يقوم به، ولا صفة له، كان كذلك أبعد في العقل من أن يقال: إنه فعل مفعولات مختلفة في وقت دون وقت، فإن هذا بعض ذاك، فكان المحذور الذي هو في هذا هو في ذاك وزيادة.