قلت: قد يظنون أنهم يجيبون عن هذه المعارضة بأن الحوادث اليومية مشروطة بحادث بعد حادث، وهذا يقتضي التسلسل في الآثار، والتسلسل في الآثار عندهم ليس بمحال.
وحقيقة قولهم: إن المرجح القديم هو دائم الترجيح، والحوادث المنفصلة عنه تحدث شيئا بعد شيء. ثم قد يعينون ذلك بحركة الفلك، فيقولون: هي الحادثة شيئا بعد شيء. ومن حذق منهم
nindex.php?page=showalam&ids=13251كابن سينا علم أن هذا جواب باطل، وأن حدوث حادث بعد حادث عن القديم من غير تجدد شيء ممتنع. فادعى ما هو أفسد من ذلك فقال: (إن الحركة لا توجد شيئا بعد شيء، وإنما هي شيء موجود دائما، وأن ما يوجد شيئا بعد شيء لا وجود له في الخارج، بل في الذهن). وهذه مكابرة بينة، قد بسط الكلام عليها في «شرح الأصبهانية».
وقد اعترف حذاقهم بأن حدوث الحوادث شيئا بعد شيء عن ذات لا يقوم بها حادث مما تنكره العقول.
وأما من اعترف منهم بقيام الأمور الاختيارية بذاته، فيقال لهم: هذا أدل على حدوث المفعولات. ويقال للطائفتين: إذا جوزتم ذلك، لم يكن لكم دليل على قدم شيء من العالم. فظهر بطلان حجتكم.
[ ص: 249 ]
لكن هذا الجواب الذي عارض به هؤلاء لأولئك، لا يمكن أن يقال في أول الحوادث؛ لأنه ليس قبل أول الحوادث حادث يشترط في الحوادث المستقبلة.
فهذا فرق هؤلاء الفلاسفة بين ما يثبتونه من الحوادث اليومية التي تشاهد، وما ينفونه من أن للحوادث أولا ابتدأت منه، وبهذا يتبين بطلان قول الطائفتين: هؤلاء وهؤلاء، وأن كل طائفة أقامت برهانا على بطلان قول الأخرى، لا على صحة قولها؛ إذ لا يلزم من بطلان أحد القولين صحة الآخر، إلا إذا انحصر الحق فيهما، وليس الأمر كذلك.