ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام.
فلم يمكن هؤلاء أن يجعلوا هذا الوجود المنقسم إلى واجب وممكن هو الوجود الواجب، فجعلوا الوجود الواجب هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق الذي ليس له حقيقة سوى الوجود المطلق، أو بشرط سلب الأمور الثبوتية، ويعبرون عن هذا بأن وجوده ليس عارضا لشيء من الماهيات والحقائق.
وهذا التعبير مبني على أصلهم الفاسد، وهو أن الوجود يعرض للحقائق الثابتة في الخارج، بناء على أنه في الخارج وجود الشيء غير حقيقته، فيكون في الخارج حقيقة يعرض لها الوجود تارة، ويفارقها أخرى.
[ ص: 288 ]
ومن هنا فرقوا في منطقهم بين الماهية والوجود، وهم لو فسروا الماهية بما يكون في الأذهان، والوجود بما يكون في الأعيان، لكان هذا صحيحا لا ينازع فيه عاقل، وهذا هو الذي تخيلوه في الأصل، لكن توهموا أن تلك الماهية التي في الذهن هي بعينها الموجود الذي في الخارج، فظنوا أن في هذا الإنسان المعين جواهر عقلية قائمة بأنفسها مغيرة لهذا المعين، مثل كونه حيوانا ناطقا وحساسا ومتحركا بالإرادة ونحو ذلك.
والصواب أن هذه كلها أسماء لهذا المعين، كل اسم يتضمن صفة ليست هي الصفة التي يتضمنها الاسم الآخر، فالعين في الخارج هو هو، ليس هناك جوهران اثنان، حتى يكون أحدهما عارضا للآخر أو معروضا، بل هناك ذات وصفات، وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أنه لم يمكن
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا وأمثاله أن يجعلوه الوجود المنقسم إلى واجب وممكن، فجعلوه الوجود المطلق بشرط الإطلاق، أو بشرط سلب الأمور الثبوتية، كما بين ذلك في شفائه وغيره من كتبه.
وهذا مما قد بين هو ـ ومما يعلم كل عاقل ـ أنه يمتنع وجوده في الخارج، ثم إذا جعل مطلقا بشرط الإطلاق لم يجز أن ينعت بنعت يوجب امتيازه، فلا يقال:
[ ص: 289 ] هو واجب بنفسه، ولا ليس بواجب بنفسه، فلا يوصف بنفي ولا إثبات، لأن هذا نوع من التمييز والتقييد.
وهذا
حقيقة قول القرامطة الباطنية الذين يمتنعون عن وصفه بالنفي والإثبات، ومعلوم أن الخلو عن النقيضين ممتنع، كما أن الجمع بين النقيضين ممتنع.
وأما إذا قيد بسلب الأمور الثبوتية دون العدمية، فهو أسوأ حالا من المقيد بسلب الأمور الثبوتية والعدمية، فإنه يشارك غيره في مسمى الوجود ويمتاز عنه بأمور وجودية، وهو يمتاز عنها بأمور عدمية، فيكون كل من الموجودات أكمل منه.