وقد يفرق بين اللفظ الذي يدعى به الرب، فإنه لا يدعى إلا بالأسماء الحسنى، وبين ما يخبر به عنه لإثبات حق أو نفي باطل.
وإذا كان في باب العبارة عن النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نفرق بين مخاطبته وبين الإخبار عنه، فإذا خاطبناه كان علينا أن نتأدب بآداب الله تعالى، حيث قال:
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [النور: 63] فلا نقول: يا
محمد، يا
أحمد، كما يدعو بعضنا بعضا، بل نقول: يا رسول الله، يا نبي الله.
والله سبحانه وتعالى خاطب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم فقال:
يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة [البقرة: 35] ،
يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك [هود: 48] ،
يا موسى إني أنا ربك [طه: 11-12] ،
يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي [آل عمران: 55] ، ولما خاطبه صلى الله عليه وسلم قال:
يا أيها النبي [التحريم: 1] ،
يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر [ ص: 298 ] [المائدة: 41] ،
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك [المائدة: 67] ،
يا أيها المزمل [المزمل: 1] ،
يا أيها المدثر [المدثر: 1] ، فنحن أحق أن نتأدب في دعائه وخطابه.
وأما إذا كان في مقام الإخبار عنه قلنا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن
محمدا رسول الله، وقلنا:
محمد رسول الله وخاتم النبيين، فنخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه لما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم:
ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين [الأحزاب: 40] ، وقال:
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا [الفتح: 29] ، وقال:
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل [آل عمران: 144] ، وقال:
والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد [محمد: 2] .
فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل، وبه يظهر الفرق بين ما يدعى الله به من الأسماء الحسنى، وبين ما يخبر به عنه عز وجل مما هو حق ثابت، لإثبات ما يستحقه سبحانه من صفات الكمال، ونفي ما تنزه عنه عز وجل من العيوب والنقائص، فإنه الملك القدوس السلام، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وقال تعالى:
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه [الأعراف: 180] مع قوله:
قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم [الأنعام: 19]، ولا يقال في الدعاء: يا شيء.
[ ص: 299 ]
وأما نفع هذا الاستفسار في العقل: فمن تكلم بلفظ يحتمل معاني لم يقبل قوله ولم يرد حتى نستفسره ونستفصله حتى يتبين المعنى المراد، ويبقى الكلام في المعاني العقلية، لا في المنازعات اللفظية، فقد قيل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء، ومن كان متكلما بالمعقول الصرف لم يتقيد بلفظ، بل يجرد بأي عبارة دلت عليه.
وأرباب المقالات تلقوا عن أسلافهم مقالات بألفاظ لهم: منها ما كان أعجميا، فعربت، كما عربت ألفاظ
اليونان والهند والفرس وغيرهم، وقد يكون المترجم عنهم صحيح الترجمة، وقد لا يكون صحيح الترجمة. ومنها ما هو عربي.
ونحن إنما نخاطب الأمم بلغتنا العربية، فإذا نقلوا عن أسلافهم لفظ الهيولي، والصورة، والمادة، والعقل، والنفس، والصفات الذاتية، والعرضية، والمجرد، والتركيب والتأليف، والجسم، والجوهر، والعرض، والماهية، والجزء ونحو ذلك، بين ما تحتمل هذه الألفاظ من المعاني، كما إذا قال قائلهم: النوع مركب من الجنس والفصل، كتركيب الإنسان من الحيوان والناطق، أو من الحيوانية والناطقية، وإن هذه أجزاء الإنسان وأجزاء الحد، والواجب سبحانه إذا كان له صفات لزم أن يكون مركبا، والمركب مفتقر إلى أجزائه، والمفتقر إلى أجزائه لا يكون واجبا ـ استفسروا عن لفظ التركيب، والجزء، والافتقار، والغير فإن جميع هذه الألفاظ فيها اشتراك والتباس وإجمال.