ويظهر هذا بالوجه السابع وهو أن يقال: قول القائل: أنه واجب الوجود من جميع جهاته -إذا أريد به: أنه لا يقبل العدم بوجه من الوجوه، فهذا حق، فإنه لا يقبل العدم بوجه من الوجوه.
وإن أراد به أن كل ما ثبت له من الأحوال فهو واجب الوجود، بمعنى أنه نفسه مقتض لذلك، لا يحتاج في ثبوته له إلى غيره، فهذا أيضا حق.
فإن
كل ما ثبت للرب تعالى من الصفات والأفعال، فلا يحتاج فيه إلى غيره، بل هو الموجب لذلك، لكن ما كان لا يمكن وجوده إلا باختياره من الأفعال ولوازم الأفعال، فهذا يمتنع كونه بعينه أزليا، بل يجب تأخره، سواء قيل: إنه عالم بذاته.
أو قيل: إنه منفصل عنه. وهو الموجب له عند وجوده، لا موجب له في غيره.
وإن قيل: واجب الوجود من جميع جهاته، بمعنى أنه لا يجوز أن يتأخر عنه شيء مما يضاف إليه، بل كل ذلك يجب أن يكون أزليا -فهذا باطل لا دليل عليه، بل الدليل يدل على نقيضه، فإنا نشاهد المحدثات دائما وهي حادثة عنه، سواء قيل: إنها حدثت بواسطة أو بلا واسطة، وحدوثها يستلزم حدوث ما به صارت محدثة، وإلا فإذا قدر حال الذات قبلها وبعدها سواء.
[ ص: 22 ]
قيل: حدوث الحوادث ترجيح بلا مرجح، وإذا أمكن أن يحدث من غير تجدد أمر يقوم بالفاعل، بل نفس الخلق يكون نسبة وإضافة، أمكن أن لا يتجدد إلا تعلق العلم القديم بالمعلوم، ولا يتجدد إلا نسبة وإضافة بقدر ذلك.