الوجه الثامن: وهو أن يقال: لا ريب في تجدد المفعولات شيئا بعد شيء، فليس كونه محدثا للحادث المعين بالفعل أمرا لازما لذاته، بل صار محدثا له بعد أن لم يكن، وهذا خروج لهذه الفاعلية عن القوة إلى الفعل.
فإما أن يكون كونه فاعلا إضافة محضة، ولم يقم بذاته فعل يكون به فاعلا، كما يقوله من يقول: الخلق هو المخلوق.
وإما أن يقال: بل
كونه فاعلا أمر وجودي يقوم بنفسه، والخلق غير المخلوق، كما هو قول الجمهور من أهل السنة وغيرهم.
فإن قيل بالأول، فمعلوم أنه إذا قيل: إن كونه فاعلا أمر إضافي، أمكن أن يقال: كونه عالما أمر إضافي.
ثم للناس على هذا التقدير في الفاعلية قولان: منهم من يقول المكونات حادثة بتكوين قديم، وأما عند وجود المكون فلا يحدث شيء.
ومنهم من يقول: ليست الفاعلية إلا إضافة محضة أزلا وأبدا.
فعلى هذا القول يمكن أن يقال في العلم كذلك.
[ ص: 23 ]
وعلى الآخر يمكن أن يقال: بل العلم قديم العين، ولكن تتجدد له الإضافات، كما يقوله ابن كلاب.
وهؤلاء جعلوا العلم ثابتا في الأزل دون التكوين، فإذا ثبت أن كونه فاعلا لا يقتضي تكوينا قائما بذاته، مع تجدد التكوينات الإضافية، فهؤلاء إذا أثبتوا علما قديما، وقالوا بتجدد تعلقاته، كانوا أبعد عن الامتناع.
وأما من جعل الفاعلية أمرا قائما بالفاعل، وقال: إنه يتجدد عند تجدد المفعولات، فإنه إذا قال بتجدد عالمية بعد وجود المعلوم، مع قوله: إنه علم ما سيكون قبل أن يكون، كان اقتضاء ذاته لهذه العالمية كاقتضائها لتلك الفاعلية، وإذا كان واجب الوجود مع تلك الفاعلية فكذلك مع هذه العالمية.