الوجه الخامس عشر: أنه قال: فيعقل من ذاته ما هو مبدأ له، وهو مبدأ للموجودات التامة بأعيانها، والكائنة الفاسدة بأنواعها أولا، ويتوسط ذلك في أشخاصها.
فقد أثبت هنا
أنه يعلم الموجودات التامة بأعيانها، وذلك كالأفلاك والكواكب، مع ما يثبتونه من العقول والنفوس.
ثم قال: وإن عقلت الفاسدات بما هي مقارنة للمادة وعوارض المادة، لم تكن معقولة، بل محسوسة أو متخيلة. ومعلوم أن الأفلاك والكواكب عندهم أجسام مقارنة للمادة، فيجب أن تكون على هذا القول معقولة، بل محسوسة أو متخيلة.
[ ص: 32 ]
وقد قال: إنه يعقلها بأعيانها.
فسمى العلم بالأجسام المعينة تارة عقلا، وتارة قال: هو حس أو تخيل، ليس بعقل.
وأثبت أنه يعلمها تارة، ونفى ذلك أخرى، لكونه حسا لا عقلا.
وليس الكلام هنا في إدراكها متغيرة أو غير متغيرة، بل في إدراك الأجسام المعينة هل يعلمها معينة أم لا؟ وهل ذلك عقل أو حس؟ فقد أثبت أنه يعقلها، وعلل غيرها بعلة تقتضي أنه لا يعقلها، وهذا تناقض بين.
ولا ريب أن كلامه هنا إنما ينفي كونه يعلمها متغيرة، لئلا يكون متغير الذات.
ثم يعلل ذلك بأنه لا يعلم الحسيات.
لكنه في موضع آخر قال: إن كل صورة محسوسة وكل صورة خيالية فإنما يدركها المدرك بآلة متجزئة، وإن مدرك الجزئيات لا يكون عقلا بل قوة جسمانية.
وهنا قد ذكر أن واجب الوجود الجسمانيات التامة بأعيانها، فيلزم أحد الأمرين.
إما أنه جسم يدركها بقوة جسمانية، وإما أنه لا يدركها كما قاله
أرسطو.
وإما أن تكون الأجسام تدرك بقوة غير جسمانية، كما قاله
أبو البركات، وقد ناقضه
أبو البركات في هذا الفصل، وسنذكر إن شاء الله كلامهما.
فكلام
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا في العلم متناقض، فإنه يثبت أنه يعلم الموجودات التامة بأعيانها، وهذا يناقض جميع ما ذكره في نفي
[ ص: 33 ] العلم، أو حصول التغير.
ولم يذكر على نفي كونه عالما بالجزئيات إلا حصول التغير. وأما التعدد فقد التزمه.