فإذا قال القائل: الإنسان مركب من الحيوان والناطق، أو من الحيوانية والناطقية. [ ص: 300 ]
قيل له: أتعني بذلك الإنسان الموجود في الخارج، وهو هذا الشخص وهذا الشخص، أو تعني الإنسان المطلق من حيث هو هو؟
فإن أراد الأول. قيل له: هذا الإنسان، وهذا الإنسان، وغيرهما، إذا قلت: هو مركب من هذين الجزأين. فيقال لك: الحيوان والناطق جوهران قائمان بأنفسهما.
فإذا قلت: هما جزءان للإنسان الموجود في الخارج لزم أن يكون الإنسان الموجود في الخارج فيه جوهران: أحدهما حيوان، والآخر ناطق، غير الإنسان المعين.
وهذا مكابرة للحس والعقل.
وإن قال: أنا أريد بذلك أن الإنسان يوصف بأنه حيوان وأنه ناطق.
قيل له: هذا معنى صحيح، لكن تسمية الصفات أجزاء، ودعوى أن الموصوف مركب منها وأنها متقدمة عليه، ومقومة له في الوجودين الذهني والخارجي، كتقدم الجزء على الكل، والبسيط على المركب، ونحو ذلك مما يقولونه في هذا الباب: هو مما يعلم فساده بصريح العقل.
وإن قال: هو مركب من الحيوانية والناطقية. قيل له: إن أردت بالحيوانية والناطقية: الحيوان والناطق، كان الكلام واحدا، وإن أردت العرضين القائمين بالحي الناطق، وهما: صفتاه، كان مضمونه أن الموصوف مركب من صفاته، وأنها أجزاء له، ومقومة له، وسابقة عليه، ومعلوم أن الجوهر لا يتركب من الأعراض، وأن صفات الموصوف لا تكون سابقة له في الوجود الخارجي.
[ ص: 301 ]
وإن قال: أنا أريد بذلك أن الإنسان من حيث هو هو مركب من ذلك.
قيل له: إن الإنسان من حيث هو هو لا وجود له في الخارج، بل هذا هو الإنسان المطلق، والمطلقات لا تكون مطلقة إلا في الأذهان، فقد جعلت المركب هو ما يتصوره الذهن، وما يتصوره الذهن هو مركب من الأمور التي يقدرها الذهن.
فإذا قدرت في النفس جسما حساسا متحركا بالإرادة ناطقا كان هذا المتصور في الذهن مركبا من هذه الأمور، وإن قدرت في النفس حيوانا ناطقا كان مركبا من هذا وهذا، وإن قدرت حيوانا صاهلا كان مركبا من هذا وهذا.
وإن قلت: إن الحقائق الموجودة في الخارج مركبة من هذه الصور الذهنية كان هذا معلوم الفساد بالضرورة.
وإن قلت: إن هذه مطابقة لها وصادقة عليها فهذا يكون صحيحا إذا كان ما في النفس علما لا جهلا.
وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع.