ونفاة الجوهر الفرد كثير من طوائف أهل الكلام وأهل الفلسفة،
كالهشامية والنجارية، والضرارية، والكلابية، وكثير من
الكرامية.
وأما من قال: إن نفيه هو قول أهل الإلحاد، وإن القول بعدم تماثل الأجسام ونحو ذلك هو من أقوال أهل الإلحاد: فهذا من أقوال المتكلمين، كصاحب الإرشاد ونحوه ممن يظن أن هذا الدليل الذي سلكوه في إثبات العالم هو أصل الدين، فما يفضي إلى إبطال هذا الدليل لا يكون إلا من أقوال الملحدين.
ومن لم يقل بأن الجسم يستلزم جميع أنواع الأعراض قال: إنه يستلزم بعضها كالأكوان، أو الحركة والسكون، وإن ذلك حادث.
وهذه الطريقة هي التي يسلكها أكثر
المعتزلة وغيرهم ممن قد يوافقهم أحيانا في بعض الأمور
nindex.php?page=showalam&ids=13372كأبي الوفاء بن عقيل وغيره.
ثم هؤلاء بعد أن أثبتوا لزوم الأعراض أو بعضها للجسم، وأثبتوا حدوث ما يلزم الجسم أو حدوث بعضه، احتاجوا إلى أن يقولوا: ما لم يسبق الحوادث فهو حادث، فمنهم من اكتفى بذلك ظنا منهم أن ذلك ظاهر، ومنهم من تفطن لكون ذلك مفتقرا إلى
إبطال حوادث لا أول لها، إذ يمكن أن يقال: إن الحادث بعد أن لم يكن هو كل شخص شخص من أعيان الحوادث، وأما النوع فلم يزل، فتكلموا هنا في إبطال وجود ما لا نهاية له بطريق التطبيق والموازاة والمسامتة.
[ ص: 304 ]
وملخص ذلك أن ما لا يتناهى إذا فرض فيه حد كزمن الطوفان، وفرض حد بعد ذلك كزمن الهجرة، وقدر امتداد هذين إلى ما لا نهاية له، فإن تساويا لزم كون الزائد مثل الناقص، وإن تفاضلا لزم وقوع التفاضل فيما لا يتناهى.
وهذه نكتة الدليل، فإن منازعيهم جوزوا مثل هذا التفاضل إذا كان ما لا يتناهى ليس هو موجودا له أول وآخر، وألزموهم بالأبد، وذلك إذا أخذ ما لا يتناهى في أحد الطرفين قدر متناهيا من الطرف الآخر، كما إذا قدرت الحوادث المتناهية إلى زمن الطوفان، وقدرت إلى زمن الهجرة، فإنها كانت لا تتناهى من الطرف المتقدم، فإنها متناهية من الطرف الذي يلينا.