ثم ادعى الأصل الذي شاركهم فيه وهو قوله: وواجب الوجود منزه عن ذلك بناء على أنه عندهم لا تقوم به المعاني والصفات المتعددة ومن هذا الأصل منشأ ضلالهم.
قال: وإذا كان أحد الشيئين غير الآخر، فكيف يكون سلب أحدهما علما بهما، وعناية بكيفية ما يجب أن يكونا عليه من النظام؟ وذلك أنهم يقولون: هو وجود مجرد عن المادة، والمجردات غير الماديات، فكيف يكون سلب المادة علما بالمجرد
[ ص: 97 ] والمادة، وعناية بكيفية ما يجب أن يكونا عليه من النظام؟ كيف وهم يقولون: إنه وجود مشروط بسلب كلام ثبوتي، فهو وجود بسلب كل ما يعرف من الحقائق، وتلك الحقائق مغايرة له، فكيف يكون سلبها عنه علما به وبها؟ وعناية بكيفية ما يجب أن تكون الحقائق معه عليه؟
فحقيقة قولهم: إنهم جعلوا العلم به، والعلم بكل واحد واحد من المخلوقات، وعنايته بالمخلوقات المتضمنة لإرادته وحكمته، التي باعتبارها انتظمت المخلوقات -جعلوا هذا كله أمرا سلبيا، وهو التجرد، أو عدم الغيبة، أو العقل الذي ليس بمعنى زائد على ذاته، وهو عندهم وجود مقيد بسلب جميع الحقائق عنه، وهذا مما يعلم بصريح العقل بطلانه في الخارج.
فإن الموجودين لا يكون المميز بينهما عدما محضا، ولو قدر ثبوت هذا لكان كل موجود خيرا منه؛ لأنه امتاز بوصف ثبوتي. ومن قال من متأخريهم: له وجود خاص غير هذا الوجود، فلم يعرف حقيقة قولهم. فإن الوجود الخاص إن امتاز بأمر وجودي، فليس هو قولهم. وإن لم يميز إلا بالسلب، فيكون هذا هو الموجود، قد شارك الموجودات في مسمى الوجود، وامتاز عنه بالسلب، فتكون سائر الموجودات خيرا منه، لو كان له وجود.
وبيان بطلان أقوالهم النافية للصفات يطول، وإنما القصد هنا إبطال بعضهم لقول بعض، فإن هذا يؤنس نفوسا كثيرة، قد تتوهم أنه ليس الأمر كذلك.
[ ص: 98 ]