فيقال: ما ذكره
أبو البركات يدل على تناقض
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا، حيث زعم أنه ما ليس في مكان، لا يكون للشيء المكاني إليه نسبة في الحضور عنده، والغيبة عنه، وذكر أن الأمر في ذلك واضح سهل، فإن هذا مناقض لقوله: إن النفس ليست جسما، مع أن الجسم حاضر عندها، لكن هذا التناقض يدل على بطلان أحد قوليه: إما قوله: إن النفس ليست جسما، وإما قوله:
[ ص: 105 ] ما ليس في مكان لا يكون للمكان إليه نسبة في الحضور عنده والغيبة عنه.
ولا يلزم من ذلك أن تكون هذه القضية هي الكاذبة، بل قد تكون الكاذبة قوله: إن النفس ليست إلا جسما.
ونظير هذا التناقض
قوله: إن واجب الوجود يعقل من ذاته ما هو مبدأ له، وهو مبدأ للموجودات التامة بأعيانها، فيعقل الموجودات التامة بأعيانها، والكائنة الفاسدة بأنواعها ويتوسط ذلك أشخاصها، فإنه إذا كان واجب الوجود يعقل الأفلاك بأعيانها وهي أجسام، وقد قال: إن الجسم لا يرتسم إلا في جسم لزم أن يكون جسما.
ومع قوله: ما ليس في مكان لا يكون للشيء المكاني إليه نسبة في الحضور عنده، والغيبة عنده.
ومع قوله: الجسم الحاضر الموجود، إنما يكون حاضرا موجودا عند جسم، وليس يكون حاضرا عند ما ليس بجسم.
فهذه الأقوال إذا ضم بعضها إلى بعض، لزم أن يكون واجب الوجود على قوله جسما، وأن تكون النفس على أقواله أيضا جسما.
وما ذكره
أبو البركات إنما هو إلزام
nindex.php?page=showalam&ids=13251لابن سينا بطريق المناقضة، وليس فيه ما يدل على بطلان ما ذكره من الإدراك، وإنما احتج
أبو البركات على بطلان ذلك بأن المدركات كبار، والمدرك إذا كان جسما أو قوة في جسم فهو صغير لا يسعها.
[ ص: 106 ]
وهذه حجة ضعيفة، فإن القائلين بارتسام المدرك في المدرك لا يقولون: إن المرتسم فيه مساو في المقدار للموجود في الخارج، كما أنهم لا يقولون: إن المرتسم حقيقته مساوية لحقيقة الموجود في الخارج.
وإنما هذا من جنس اعتراض الرازي عليهم، بأنه لو كان من أدرك النار وجب أن يسخن، ومن أدرك الثلج وجب أن يبرد، ومن أدرك الرحى وجب أن يدور، ونحو ذلك مما لا يقوله عاقل.
ولهذا صاروا يتعجبون، بل يسخرون ممن يورد عليهم مثل هذا، وهم يشبهون تمثل المدركات في المدرك بتمثل المرئيات في المرآة. ومعلوم أن ما في المرآة ليس مماثلا في الحقيقة والمقدار للموجود في الخارج.
أما حقيقته، فلأن غايته أن يكون عرضا في المرآة، والمرئي الخارج يكون جسما موجودا، كالسماء والشمس والإنسان، وغير ذلك مما يرى في المرآة.