قال
الطوسي في شرح هذا الفصل: لما تقرر أن
علم الأول تعالى فعلي ذاتي، أشار إلى إحاطته بجميع الموجودات.
فذكر أنه يعقل ذاته بذاته، لكونه عاقلا لذاته، معقولا لذاته، على ما تحقق قبل ذلك، ويعقل ما بعده، يعني المعلول الأول، من حيث هو علة لما بعده.
والعلم التام بالعلة التامة يقتضي العلم بالمعلول، فإن العلم بالعلة التامة لا يتم من غير العلم بكونها مستلزمة لجميع ما يلزمها لذاتها.
وهذا العلم يتضمن العلم بلوازمها، التي منها معلولاتها الواجبة بوجوبها.
ويعقل سائر الأشياء التي بعد المعلول الأول، من حيث وقوعها في سلسلة المعلولية النازلة من عنده، إما طولا: كسلسلة المعلومات المترتبة المنتهية إليه في ذلك الترتيب.
أو عرضا: كسلسلة الحوادث التي لا تنتهي في ذلك الترتيب إليه، لكنها تنتهي إليه من جهة كون الجميع ممكنة محتاجة إليه، وهو احتياج عرضي، تتساوى جميع آحاد السلسلة فيه، بالنسبة إليه تعالى.
قلت: أما قوله: "لما تقرر أن علم الأول تعالى فعلى" إشارة إلى إحاطته بجميع الموجودات، فذكر أنه يعقل ذاته بذاته ويعقل ما بعده.
[ ص: 112 ]
فيقال: علمه بذاته لا يمكن أن يكون فعليا، وإنما يكون فعليا علمه بخلقه.
فإن علمه له تأثير في فعل خلقه، وليس له تأثير في وجود نفسه، وهذا مما لا ينازع فيه عاقل فهمه، ولعله ما أراد إلا هذا.
فإن
القدرية من أهل الكلام يقولون: العلم تابع للمعلوم، مطابق له، لا يكسبه صفة ولا يكتسب عنه صفة.
وكثير من المتفلسفة يقولون: علم الرب فعلي، وقد يجعلون نفس علمه إبداعه.
وقد بسطنا الكلام على هذا في موضع آخر، وبينا أن العلم نوعان: علم العالم بما يريد أن يفعله، فهذا علم فعلي، هو شرط في وجود المعلوم؛ إذ وجود المعلوم بدونه ممتنع.