ومما ينبغي أن يعرف أن كلا من المتلازمين يلزم من وجوده وجود الآخر، فكل منهما يصلح في حقنا أن نستدل به على الآخر، فنستدل على هذا بذاك تارة، ونستدل بذاك على هذا تارة.
إما أن نستدل على المجهول منهما بالمعلوم، أو نستدل بالمعلوم على المعلوم، لبيان أنه دليل عليه أيضا، ولتقوية العلم، ولحصوله في النفس تارة بهذا الدليل، وتارة بهذا، إذا عزب عنها علمه بالآخر، فإن النفس قد تعلم الشيء ثم يعزب عنها، فإذا كثرت الأدلة، كان كل منها يقتضي العلم به، إذا قدر عزوب غيره من الأدلة.
ولهذا جاز تعدد الأدلة الكثيرة على المدلول الواحد، وكل ما يصلح أن يستدل به على غيره، فإن علم الرب به يستلزم علمه بالمدلول عليه، لامتناع العلم التام بالملزوم.
بدون العلم باللازم، وإن كان هو سبحانه لا يحتاج أن يستدل بالعلم بأحدهما على العلم بالآخر، فهذا هذا.
ومرادنا بيان ما يذكره الناس من الدلالة على الحق، فإن قصروا في بيان الدليل تممناه، وإن قالوا بخلاف موجبه من وجه آخر أبطلناه.
[ ص: 133 ]
وهذه حال
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا وأمثاله في
تقرير علم الله تعالى، فإن كلامه في العلم فيه تقصير عظيم من وجهين: من جهة تقصيره في بيان ما ذكره من الحق، ومن جهة ما ذكره من الباطل، فإنه ذكر حقا، وذكر ما يستدل به عليه، لكنه لم يعرف البيان حقه، من جهة أنه لم يعط الدليل حقه في التزام ما يلزمه، ومن جهة أن بعض المقدمات قد تقصر في بيانها، وإلا فالمادة التي سلكها في الدلالة مادة جيدة مستقيمة، إذا أعطيت حقها كانت مما تبين أن الله بكل شيء عليم من الجزئيات والكليات.
ولهذا كان الذين قدحوا في دلالة
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا، nindex.php?page=showalam&ids=14847كالغزالي nindex.php?page=showalam&ids=14592والشهرستاني والرازي، إنما يقدحون بكونه لم يقرر مقدماته، أو بكونه لم يقل بموجبها، ولم يلتزم لوازمها، بل تناقض، فيوردون عليه سؤال الممانعة والمعارضة: المنع لكونه لم يقرره، والمعارضة لكونه ناقض موجبها.
وهذان السؤالان إذا توجها، فإنما يدلان على قصور ابن سينا، لا على قصور مادة الدليل الذي استدل به، بل هو من أحسن المواد، وهو مما يعلم به أن الله بكل شيء عليم: بالكليات والجزئيات.
ونحن نذكر من كلامهم ما يبين ما ذكرناه.