وأما قولهم: إنه أول ما أبدع العقل الأول، فكلامهم في هذا خطأ في بيان فعله، لا خطأ في
إثبات وجوب كونه عالما بمفعولاته، ولا ريب أن قولهم في صدور الأفعال منه خطأ، لكن لا يلزم من الخطإ في ذلك الخطأ فيما به قررت كونه عالما بمفعولاته.
ثم يقال: ولا يلزم أيضا على أصلهم أنه لا يعلم إلا العقل الأول، بل يلزم علمه بكل شيء.
وذلك لأنهم تارة يقولون: صدر عنه عقل، وبتوسطه عقل ونفس وفلك، وتارة يجعلون الثاني صادرا عن الأول، وتارة يجعلون الأول شرطا، وتارة يجعلونه مبدعا للثاني.
ومنهم من يقول بلزوم جملة الفلك له.
وعلى كل تقدير فلا ريب أن علمه بالملزوم علما تاما يستلزم علمه باللازم.
وكذلك العلم بالعلة التامة يستلزم العلم بالمعلول، كما تقدم.
[ ص: 149 ]
فأقصى ما يقدر أن الأول كان علة للثاني، فإذا كان عالما بالأول علما تاما، لزم أن يعلم لوازمه، التي منها علمه بفعله للثاني، كما تقدم.
فعلى كل تقدير لا يكون قول من سلبه العلم خيرا من قول من أثبته.
وبهذا أجابه
nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد، فقال: الجواب عن هذا أن الفاعل الذي هو في غاية العلم يعلم ما صدر عما صدر منه، وما صدر من ذلك الصادر، إلى آخر ما صدر.
فإن كان الأول في غاية العلم، فيجب أن يكون عالما بكل ما صدر عنه، بوساطة أو بغير وساطة.
وليس يلزم منه أن يكون علمه من جنس علمنا؛ لأن علمنا ناقص ومتأخر عن المعلوم. ومن فر من شناعة القول بأنه لا يعلم إلا نفسه، فهو معذور في هذا الفرار.