ففي الجملة كل حجة يذكرونها هم أو غيرهم -على علمه بشيء من الأشياء، يدل على علمه بالجزئيات.
[ ص: 178 ] وقول القائل: إنه يعلم الكليات دون الجزئيات، كلام متناقض، يستلزم أنه لم يخلق شيئا ولا يعلم شيئا من الموجودات.
وقوله مع ذلك إنه: لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، تلبيس منه، كقولهم: العالم محدث، يريدون به أنه معلول مع قدمه، وإلا فكل ذرة من ذرات المحدثات عازبة عنه عندهم.
وكونها تجب وصف كلي باق أزلا وأبدا، لا يوجب العلم بها كما ذكروه.
ومضمون كلامه أنه يعلم ولا يعلم، فهو كلام متناقض. ثم الأدلة الدالة على علمه تستلزم علمه بالجزئيات، وليس لابن سينا ما يبطل ذلك، إلا كون ذلك يفضي إلى تغير العلم، لكونه يعلم أن سيكون الشيء، ثم يعلم أنه قد كان، وهذا إن أبطله من جهة أنه نقص في العلم فهو باطل، فإن هذا هو علم للشيء على ما هو عليه، فإنه علمه معدوما لما كان موجودا، وعلم أنه سيوجد، ثم لما وجد علمه موجودا، ثم إذا عدم بعد ذلك علم أن قد كان ثم عدم.
فهذا هو العلم المطابق للمعلوم، وما سوى ذلك فهو جهل لا علم وإن أنكره من جهة أنه يحدث تحول العلم بتحول المعلوم، وأن ذلك تغير -فقد عرف قول المانعين من هذا الأصل، وأنه في غاية الضعف والفساد، مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول، لا سيما ومن منع ذلك، من
الجهمية ومن اتبعهم، إنما منعوه لاعتقادهم أن ذلك ينافي القدم.
nindex.php?page=showalam&ids=13251وابن سينا وإخوانه يجوزون قيام الحوادث بالقديم، فلا حجة
nindex.php?page=showalam&ids=13251لابن سينا وأتباعه في منعه، إلا حجتهم في نفي الصفات. وإثبات العلم
[ ص: 179 ] بالمعلومات المفصلة الثابتة بأعيانها، مستلزم لثبوت الصفات كما تقدم بيانه وإقرار أصحابه بذلك، وحينئذ فلا حجة لهم في نفي ذلك أصلا.
والله تعالى قد أخبر في كتابه بعلمه بما سيكون، كالأمور التي أخبر بها قبل كونها، فعلم أنه يعلم الأشياء قبل وجودها، وأخبر أنه إذا وجدت علمها أيضا.
كقوله:
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه [البقرة: 143].
وفي القرآن من هذا بضعة عشر موضعا. وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره: إلا لنرى.
وقال طائفة من المفسرين: إلا لنعلمه موجودا.