فإن قلتم: إن علمه بالجزئيات المشخصة لا يمكن إلا مع رؤيته لها.
فلا محذور في إثبات رؤيته لكل مخلوق.
وإذا قلتم: هذه المحسوسات في جهة، والإحساس بها يقتضي كونها بجهة من الحاس على قرب أو بعد. فهذا يناسب قولكم: إن ما ليس في مكان ليس له نسبة إلى المكان.
وحينئذ فيقال: أنتم تعلمون أن النفس لها تعلق للشعور والتدبير بالبدن الجزئي. فإن ذلك يستلزم أن يكون الذي يحس البدن جسما، فالنفس جسم، وتدبير رب العالمين لمخلوقاته أعظم من تدبير النفس للبدن.
فإن النفس ليست مستقلة بتدبيره، بل لها شركاء في قوى طبيعية وأسباب خارجية.
وأما
رب العالمين فلا شريك له في تدبير مخلوقاته، فيكون علمه بهم ورؤيته لهم أعظم من علم النفس ببدنها وإدراكها له، سواء سمي هذا وهذا حسا أو لم يسم.
وما شاركتم فيه الجهمية من النفي لا ينفعكم، وإنما تنفعكم الأدلة
[ ص: 194 ] الصحيحة أو الشرعية.
وقد قدمنا غير مرة أنه ليس لكم دليل ينفي ما سميتموه تركيبا عن واجب الوجود، ولا ما ينفي الصفات، حتى إن الغزالي، مع نفيه لكون الرب جسما، بين أنه لا دليل لكم على ذلك. وأنتم تقولون: لا دليل لنفاة المتكلمين على نفي ذلك، كما قد حكي ذلك عن الفريقين في موضعه، وبين ما ذكر في حجج الفريقين من الفساد العقلي والابتداع الشرعي.