ومن عجائب الأمور: أن كثيرا من
الجهمية نفاة الصفات والأفعال، ومن اتبعهم على نفي الأفعال يستدلون على ذلك بقصة الخليل صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر المريسي، وكثير من
المعتزلة، ومن أخذ ذلك عنهم، أو عمن أخذ ذلك عنهم،
nindex.php?page=showalam&ids=13372كأبي الوفاء بن عقيل nindex.php?page=showalam&ids=14847وأبي حامد والرازي وغيرهم، وذكروا في كتبهم أن هذه الطريقة هي طريقة
إبراهيم الخليل عليه صلوات الله وسلامه، وهو قوله:
لا أحب الآفلين [الأنعام: 76] .
قالوا: فاستدل بالأفول الذي هو الحركة والانتقال على حدوث ما قام به ذلك، كالكوكب والقمر والشمس.
[ ص: 311 ]
وظن هؤلاء أن قول
إبراهيم عليه السلام:
هذا ربي [الأنعام: 77] أراد به: هذا خالق السماوات والأرض، القديم الأزلي، وأنه استدل على حدوثه بالحركة.
وهذا خطأ من وجوه:
أحدها: أن قول الخليل:
هذا ربي ـ سواء قاله على سبيل التقدير لتقريع قومه، أو على سبيل الاستدلال والترقي: أو غير ذلك ـ ليس المراد به: هذا رب العالمين القديم الأزلي الواجب الوجود بنفسه، ولا كان قومه يقولون: إن الكواكب أو القمر أو الشمس رب العالمين الأزلي الواجب الوجود بنفسه، ولا قال هذا أحد من أهل المقالات المعروفة التي ذكرها الناس: لا من مقالات أهل التعطيل والشرك الذين يعبدون الشمس والقمر والكواكب، ولا من مقالات غيرهم، بل قوم
إبراهيم صلى الله عليه وسلم، كانوا يتخذونها أربابا يدعونها ويتقربون إليها بالبناء عليها والدعوة لها والسجود والقرابين وغير ذلك، وهو دين المشركين الذين صنف
الرازي كتابه على طريقتهم وسماه «السر المكتوم في دعوة الكواكب والنجوم والسحر والطلاسم والعزائم».
[ ص: 312 ]
وهذا دين المشركين من
الصابئين كالكشدانيين والكنعانيين واليونانيين
وأرسطو وأمثاله من أهل هذا الدين، وكلامه معروف في السحر الطبيعي والسحر الروحاني، والكتب المعروفة بذخيرة
الإسكندر بن فيلبس الذي يؤرخون به، وكان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة.
وكانت
اليونان مشركين يعبدون الأوثان، كما كان قوم
إبراهيم مشركين يعبدون الأوثان، ولهذا قال الخليل:
إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين [الزخرف: 26-27] ، وقال:
أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين [الشعراء: 75-77] ، وأمثال ذلك مما يبين تبرؤه مما يعبدونه غير الله.
وهؤلاء القوم عامتهم من
نفاة صفات الله وأفعاله القائمة به، كما هو مذهب
الفلاسفة المشائين، فإنهم يقولون: إنه ليس له صفة ثبوتية، بل صفاته إما سلبية وإما إضافية، وهو مذهب
القرامطة الباطنية القائلين بدعوة الكواكب والشمس والقمر والسجود لها، كما كان على ذلك من كان عليه من بني عبيد ملوك
القاهرة وأمثالهم.
فالشرك الذي نهى عنه الخليل وعادى أهله عليه كان أصحابه هم أئمة هؤلاء النفاة للصفات والأفعال، وأول من أظهر هذا النفي في الإسلام:
nindex.php?page=showalam&ids=14005الجعد بن درهم، معلم مروان بن محمد.
[ ص: 313 ]
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد: وكان يقال: إنه من أهل
حران، وعنه أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=15658الجهم بن صفوان مذهب نفاة الصفات، وكان
بحران أئمة هؤلاء الصابئة الفلاسفة، بقايا أهل هذا الدين أهل الشرك ونفي الصفات والأفعال، ولهم مصنفات في دعوة الكواكب، كما صنفه
nindex.php?page=showalam&ids=15607ثابت بن قرة وأمثاله من الصابئة
الفلاسفة أهل
حران، وكما صنفه
nindex.php?page=showalam&ids=12159أبو معشر البلخي وأمثاله، وكان لهم بها هيكل العلة الأولى، وهيكل العقل الفعال، وهيكل النفس الكلية، وهيكل زحل، وهيكل المشتري وهيكل المريخ، وهيكل الشمس، وهيكل الزهرة، وهيكل عطارد، وهيكل القمر، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.