وقوله: هذا على الضرورة مركب من ذات وصفات.
إن أراد به أن ذات موصوفة بصفات لازمة لها، فهذا حق، وهم لا يسمون هذا تركيبا، فإذا سماه تركيبا لم تكن هذه التسمية حجة له على ما نفاه؛ لأن الذي نفاه بالدليل هو ما كان مركبا، وهو الذي جعله غيره مركبا، أو ما كان متركبا بنفسه؛ أي كانت أجزاؤه متفرقة فتركبت، بحيث يصير مركبا بعد أن لم يكن.
ومعلوم أن ما تركب بعد افتراقه، لم يكن تركبه بنفسه، كما ذكره في المتكون، فإن ما تكون بعد أن لم يكن متكونا، لم يكن تكونه بنفسه.
وكما قال: كما أن لكل مفعول فعلا، فإن لكل مركب مركبا فهذا إنما يعقل فيما ركبه غيره، أو ما كان مفرقا فركب، كما أن المفعول لا يعقل أن له فاعلا، إلا إذا فعله غيره، أو كان حادثا، فلا بد للحادث من محدث.
أما ما كان واجبا بنفسه قديما أزليا مستلزما لصفات لازمة له، فهذا لم يركبه أحد، ولا كان مفترقا فتركب. فمن أين يجب أن يحتاج هذا إلى مركب؟ وكيف يصح تمثيل هذا بالمتكون والمفعول اللذين كل منهما محتاج إلى غيره، بل هو حادث يفتقر إلى محدث؟
وليس المعنى الذي سماه مركبا إلا موصوفا بصفة لازمة له، فلو قال: كل متصف فلا بد له من واصف، أي ممن يجعل الصفة قائمة
[ ص: 254 ] بمحلها، ما كان مبطلا، فإن المتصف بالصفة إذا كان قديما أزليا واجبا بنفسه، كيف يجب هذا فيه؟
ثم هؤلاء الفلاسفة يقولون: إن الأفلاك قديمة أزلية.
وهذا الرجل لا يسميها مركبة، ويبطل قول من يقول: هي مركبة من الهيولى والصورة، وقول من يقول: هي ممكنة، ومع هذا فهي جسم قائم به صفات وحركات.
فإذا كانت هذه لم تحتج عنده إلى ما يحتاج إليه المتكون، فكيف يحتاج إلى ذلك ما هو واجب بنفسه؟