وقوله: لأن التركيب شرط في وجود المركب معناه أن لزوم الصفة للموصوف، أو أن التلازم الذي بين الأمور المتعددة في الواجب، شرط في وجودها، وهذا صحيح. لكن الشرط لا يجب أن يتقدم المشروط، بل تجوز مقارنته له، وإذا كان الواجب الوجود واجبا بنفسه المتضمنة لصفاته، وكل من صفاته لا يوجد إلا مع الأخرى، ولا توجد الذات إلا بالصفات، ولا الصفات إلا بالذات كان هذا هو حقيقة الاشتراط، ولم يلزم من ذلك أن يكون المتصف بهذه الصفات هو علة فاعلة لما هو من لوازم وجوده، ولما لا يوجد إلا معه، وهو الشرط في وجوده.
وإن عنى بالعلة أعم من ذلك، حتى جعل الشرط علة، كان حقيقة قوله: لا يكون الشيء شرطا في شرط وجوده. وهذا ليس بصحيح، بل يجوز أن يكون كل من الشيئين شرطا في وجود الآخر،
[ ص: 255 ] وإن لم يكن علة فاعلة للآخر. وهذا هو الدور المعي الاقتراني، وهو جائز، بخلاف الدور المعي القبلي، فإنه ممتنع.
وهذا موجود في عامة الأمور، فالأمور المتلازمة كل منها شرط في الآخر، فكل من الشرطين شرط في وجوده.
وغاية ذلك أن يكون الشيء شرطا في وجود نفسه؛ أي لا توجد نفسه إلا إذا وجدت نفسه.
وهذا كلام صحيح، بخلاف ما إذا كانت نفسه فاعلة لنفسه. فإن هذا ممتنع، فكل واحد من الأبوة والبنوة شرط في وجود الآخر. وكل واحد من العلو والسفل شرط في وجود الآخر. وكل واحد من التحيز والمتحيز شرط في الآخر. وكل واحد من الماء والنار وطبيعته الخاصة به شرط في الآخر، ونظائر هذا كثيرة.
فكون إحدى الصفتين مشروطة بالأخرى، والذات مشروطة بصفاتها اللازمة، والصفات مشروطة بالذات، بحيث يمتنع تحقق شيء من ذلك إلا مع تحقق الآخر، وبحيث يلزم من ثبوت كل من ذلك ثبوت الآخر، هو معنى كون كل من ذلك شرطا في الآخر، وهو شرط في شرط نفسه ووجوده.
وهؤلاء من أصول ضلالهم ما في لفظ العلة من الإجمال، فإن لفظ العلة كثيرا ما يريدون به ما لا يكون الشيء إلا به، فتدخل في ذلك العلة الفاعلة، والقابلة، والمادة، والصورة.
وكثيرا ما يريدون بذلك الفاعل فقط. وهو المفهوم من لفظ
[ ص: 256 ] العلة.
وبحوثهم في مسألة واجب الوجود عامتها مبنية على هذا التلبيس، فإن الممكن الذي لا يوجد إلا بموجد يوجده، لا بد له من واجب يكون موجودا بنفسه، لا بموجد أوجده.
فهذا هو معنى واجب الوجود الذي دلت عليه الممكنات، وهم يريدون أن يجعلوه وجودا مطلقا ليس له نعت ولا صفة ولا حقيقة غير الوجود المطلق؛ لأن الوجود الواجب يكون معلولا لتلك الحقيقة، فلا يكون واجبا.