قلت: ولقائل أن يقول: هو قد بين فساد طرق نفاة الجسم من المتكلمين، وكذلك بين فساد طريقة
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا وغيره من الفلاسفة، وذكر أنه لا يمكن الاعتراف بوجود موجود في الغائب ليس بجسم، إلا من علم بالبرهان أن النفس ليست بجسم.
وحينئذ فيقال له: هذا أضعف من كلام المتكلمين ومن كلام الفلاسفة من وجهين: أحدهما: أن الأدلة الدالة على كون النفس ليست الجسم الاصطلاحي، وهو ما يمكن الإشارة إليه، وكونها لا توصف بحركة ولا سكون، ولا تقرب من شيء ولا تبعد عنه، ولا تصعد ولا تعرج ولا تهبط، ونحو ذلك مما يقوله فيها هؤلاء الفلاسفة -أضعف من أدلة نفي ذلك عن الباري، فإذا كانت تلك فاسدة فهذه أولى.
والثاني: أن يقال: هب أنه يثبت أن النفس لا يمكن الإشارة إليها، أو أن المخلوقات ما لا يمكن الإشارة إليها، فمن أين يجب أن يكون الخالق كذلك؟ غاية ما يثبت به: أن العقل لا يحيل ذلك، لكن عدم استحالته في العقل لا يقتضي ثبوته في نفس الأمر، بل ولا إمكانه في نفس الأمر.
[ ص: 291 ]
فإذا لم يكن ثم دليل عقلي ينفي الجسمية عن الباري، كما قد بينته، لم يكن في نفي ذلك عن النفس دليل على أن الباري كذلك، اللهم إلا أن يثبت أن هذا الجنس أشرف من غيره.
فيقال:
الباري أحق بصفة الكمال من النفس، لكن كون الشيء لا يشار إليه أمر سلبي، والسلب المحض ليس صفة مدح ولا كمال، إلا أن يتضمن أمرا وجوديا.
وليس في كون الشيء لا يشار إليه ما يستلزم أمرا وجوديا، كما أنه ليس في كونه لا يرى ما يستلزم أمرا وجوديا، كما أن نفي الرؤية عن بعض المخلوقات لا يستلزم نفيها عن الباري تعالى.