وأيضا فيقال:
من المعلوم أن اتصاف الموصوف بكونه حيا عليما قديرا، أكمل من اتصافه بكونه لا يشار إليه.
ثم أنتم تفرون من إثبات صفات الكمال للرب في نفس الأمر، لما في ذلك من التشبيه، فإذا شبهتموه بالمخلوق فيما دون صفات الكمال من الصفات السلبية، كان هذا أقرب إلى التشبيه الباطل ووصفه بالنقائص، ولكن هذه سنة معلومة
للجهمية: يسلبون عن ربهم صفات الكمال فرارا من التشبيه بالكامل من الموجودات، ويصفون بالسلوب المتضمنة صفات النقص التي يشبهونه فيها بالجمادات والمعدومات والممتنعات، فإن العدم علم لا يشار إليه، كما أنه لا يرى، وكل ما يوصف به العدم المحض لم يكن كمالا، بل هو إلى النقص أقرب.
وأما ما ذكره من سكوت الشريعة عن النفس.
[ ص: 292 ]
فيقال له: الكتاب -والسنة- مملوء بإثبات صفات النفس الدالة على أنه يشار إليها، وأنها بحكم اصطلاحهم -جسم، فإنه أخبر بقبضها ورجوعها وصعودها، ودخولها في عباده، ودخولها جنته، ودخولها البدن وخروجها منه، وعروجها إلى السماء، وأنها في حواصل طير خضر، وأمثال ذلك من الصفات التي تقولون أنتم: إنها لا تكون إلا لجسم.
وأما لفظ الجسم فهو في اللغة بمعنى البدن، أو بمعنى غلظه وكثافته.
كما قال:
وزاده بسطة في العلم والجسم [البقرة: 247].
وقال:
وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم [المنافقون: 4]. ويقال: لهذا الثوب جسم أي غلظ وكثافة.
وهذه المعاني منتفية عن الروح، فلم يصلح أن يعبر عنها في لغة العرب بلفظ الجسم، بل الناس يقولون: الجسم والروح، فيجعلون مسمى الأجسام غير مسمى الأرواح.
وإذا كان من الأعيان القائمة بنفسها الموصوفة بالصعود والعروج، والدخول والخروج، ونحو ذلك مما لا يسمى في اللغة جسما، لم يجب أن يسمى كل ما قام بنفسه جسما في لغتهم.
وأما في اصطلاحكم، فالجسم عندكم هو ما أمكن الإشارة إليه.
وما وصف بصعود أو هبوط فهو عندكم جسم، وما قامت به الصفات فهو عندكم جسم.
فعلى اصطلاحكم يجب أن تكون الروح جسما، وليس في عدم إخبار الشارع بذلك حجة لكم.