وأما القول بتركبه من المادة والصورة، فقول بعض الفلاسفة.
فهؤلاء
إذا قالوا: إن النفس ليست جسما، فقد أصابوا من وجه [ ص: 297 ] وأخطأوا من وجه. أصابوا من حيث نفوا عنها هذا التركب والتبعيض والانقسام، وأخطأوا من حيث ادعوا ثبوت ذلك في كل ما يشار إليه، وكل ما يمكن الإحساس به ورؤيته.
فإنهم لما زعموا أن كل ما يمكن الإشارة الحسية إليه فهو جسم، وكل جسم فهو مركب بهذا الاعتبار- لزمهم أن تكون النفس بحيث لا يشار إليها إشارة حسية.
ومن المعلوم أن بدنها جسم معين محسوس، وأنها هي التي ترى المعينات وتشمها وتذوقها وتسمعها بتوسط البدن، فإذا كانت يشار إلى المعينات المحسوسة إشارة حسية تميز بها بين محسوس ومحسوس، وتتعلق ببدن معين مخصوص- لم تكن نسبتها إلى جميع الأبدان والأجسام واحدة.
وإذا قيل: هي تتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصريف.
قيل: المدبر المصرف لغيره: إن كان تدبيره بعينه، فلا بد من إحساسه. وأما إن كان يدبره تدبيرا مطلقا كليا، مثلما يأمر الإنسان أتباعه أو أجناده بأمر عام، من غير قصد شخص معين منهم- فهذا لا يفتقر إلى الإحساس بآحادهم. أما إذا أمر واحدا بعينه، فلا بد من امتيازه عن غيره.